وأضافوا بعضها إلى التوراة. وليست هي من كلام النبي ولا من التوراة في شئ.
وبعضها دس أثناء الوعظ والقصص أريد بها دعوة الناس إلى الفضائل وحب الخير واجتناب الآثام فرغبوا ورهبوا ولم يتحرجوا من إضافة أشياء إلى النبي يرون أن الناس يتأثرون بها أكثر مما يتأثرون بكلام الوعاظ والقصاص. وأشياء أخرى دست تملقا للخلفاء ورجال الحكم والتماسا للحظوة عندهم، وأشياء أخرى اخترعها المختصمون في الكلام والفقه دفاعا عن آرائهم في هذين النوعين من العلم، وأشياء دست لنشر الدعوة لبعض الأحزاب السياسية في العصور الأولى. ذلك إلى أفراد من الناس أكثروا من اختراع الحديث ليلقوا في روع العامة وبعض الخاصة أنهم أصحاب علم غزير ومعرفة دقيقة بأقوال النبي وأعماله.
وكان لهذا كله أثر أي أثر في إفساد العقول والانحراف بآراء كثير من الناس عن الاستقامة في فهم الدين وتصور النبي كما ينبغي أن يتصوره المسلمون منزها عن هذا السخف الكثير الذي حمل عليه وهو منه برئ.
(وكان هذا أيضا مطمعا لكثير من خصوم الإسلام وأعدائه في نقد الدين والتحامل عليه وعلى الرسول الذي جاء به ظلما وبهتانا).
* * * وقد فطن المحدثون القدماء لهذا كله واجتهدوا ما استطاعوا في التماس الصحيح من الحديث وتنقيته من كذب الكذابين وتكلف المتكلفين، وكانت طريقتهم في هذا الاجتهاد إنما هي الدرس لحياة الرجال الذين نقلوا الحديث جيلا بعد جيل حتى تم تدوينه. فكانوا يتتبعون كل واحد من هؤلاء الرجال ويتحققون من أنه كان نقي السيرة صادق الإيمان بالله ورسوله شديد الحرص على الصدق في حديثه كله وفي حديثه عن النبي خاصة. وهو جهد محمود خصب بذله المتقنون من علماء الحديث وأخلصوا فيه ما وجدوا إلى الإخلاص سبيلا.
ولكن هذا الجهد على شدته وخصبه لم يكن كافيا، فمن أعسر الأشياء وأشدها تعقيدا أن تتبع حياة الناس بالبحث والفحص والتنقيب عن دقائقها، فمن الممكن أن تبحث وتفحص وتنقب دون أن تصل إلى حقائق الناس ودقائق أسرارهم وما تضمر قلوبهم في أعماقها وما يمعنون في الاستخفاء به من ألوان الضعف في نفوسهم وفي سيرتهم أيضا.