بل المعنى به عندهم اللفظ، لما ينبئ على ذلك من الأحكام اللسانية، فاعتنى النحويون بالاستنباط مما نقل من كلام العرب عن الثقات، وتركوا ما نقل من الأحاديث لاحتمال إخراج الراوي لفظ الحديث عن القياس العربي فيكون قد بنى على غير أصل - وذلك من جملة تحريهم في المحافظة على القواعد اللسانية. ولو رأيت اجتهادهم في الأخذ عن العرب وكيفية التلقي عنهم لرأيت العجب، فليس بمنكر تركهم للاستشهاد بالحديث الشريف والاستنباط منه، كيف وهم بنوا على ما نقل الألفاظ. إلى أن قال: ولا أعرف له (1) من النحاة سلفا إلا ابن خروف. وكأن ابن مالك - والله أعلم - بنى على القول بمنع رواية الحديث بالمعنى مطلقا، وهو قول ضعيف يرده المقطوع به من نقل القضايا المتحدة بالألفاظ المختلفة غير مختصة بزمان الصحابة دون غيرهم ولا يقتصر به على العرب دون من عداهم، ومن تأمل كتب الحديث وجد فيها كثيرا من ذلك بل من الألفاظ الحائدة عن كلام العرب أشياء كثيرة حتى تقع تخطئة الرواة من الأئمة الناقدين، والعلماء العارفين بكلام العرب من غير نكير من غيرهم - قال الشيخ أبو إسحاق الشاطبي - فالحق أن ابن مالك في هذه القاعدة غير مصيب إلخ.. ا ه.
ولعل القارئ قد لاحظ أننا قد أكثرنا من الاستشهاد بكلام أئمة النحو الكبار في هذا الأمر، ولم نفعل ذلك إلا لأن في كلام كل إمام منهم من الفوائد ما لا يوجد في غيره، وأن في أدلتهم جميعا ما يقنع أهل الفكر والرأي، ولا يمتري فيه إلا جهول أو متعصب.
وثم طوائف أخرى وقفت من الحديث مواقف مختلفة كالشيعة والزيدية والخوارج وغيرهم ولكل قوم سنة وإمامها.
فأما الشيعة وبخاصة الإمامية فإنهم لا يعتبرون من الأحاديث إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت عن جدهم، يعني ما رواه الصادق " جعفر " عن أبيه الباقر عن أبيه