ولا وجه للتعويل عليه نعم إذا ثبت أنه كان مشهورا بين قدماء الأصحاب بحيث كان مخالفه شاذا نادرا فلا يبعد حينئذ جعله من مرجحات الدليل ومؤيدات المدلول باعتبار الرواية التي نقلنا آنفا وباعتبار أن الظن يذهب غالبا إلى أن في مثل هذه المواضع وقوع الخطأ من القليل أكثر منه من الكثير وأما جعله حجة برأسها وأخذه دليلا بانفراده فلا وإذ قد تمهدت هذه المقدمات فنقول إن ما نحن فيه ظاهر أنه ليست من الاجماعات القطعية التي لا كلام فيها كمسح الرجلين ولا من القسم الاخر الذي أيضا ذكرنا إن الظاهر حجيته إذ لم يدع جمع من الأصحاب الاجماع في نجاسة الخمر بحيث لم يظهر خلافه إذ ليس دعوى الاجماع في كلام القدماء سوى الشيخ فإنه قال به في المبسوط والاستبصار والسيد المرتضى أيضا على ما نقله العلامة منه ليس في كلامه دعوى الاجماع بل قال أنه مخالف شاذ نادر ومع ذلك ظهر الخلاف من الصدوق (ره) والحسن والجعفي بحيث لا كلام فيه على أنه يظهر من بعض الروايات التي نقلنا في نجاسة الخمر أنه كان بين قدمائنا من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) أيضا خلاف في هذه المسألة كصحيحة علي بن مهزيار ورواية خيران وعلى هذا يكون ما نحن فيه من قبيل القسم الأخير الذي لا تعويل عليه بانفراده بل لا يبعد أن يمنع كون نجاستها مشهورة أيضا بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) بل الشهرة بين المتأخرين منهم وبالجملة مثل هذا الاجماع والشهرة لا يصلح حجة على حدة بل إن كان ولا بد فللتأييد فينبغي حينئذ النظر في الدلايل الاخر ومعارضاتها حتى يظهر أن القوة لا يهما هذا وأما الحجة الثانية أي الآية الكريمة فقد مر الكلام فيها مفصلا وأما الروايات فما يتعلق منها بالبئر ففيه أنه قد تقدم في بحث البئر إن روايات النزح معارضة بما يدل على خلافها ولا يبعد حملها على الاستحباب بل هو ظاهر وعلى تقدير حملها على الاستحباب لا يبقى دلالتها على نجاسة الخمر إذ استحباب النزح لعله لأجل الاستقذار الذي فيه لكن لا بحيث يكون واصلا إلى حد النجاسة التي بالمعنى المراد ها هنا أو لأجل امتزاج ماء البئر بالاجزاء الخمرية التي لا يكاد يسلم شارب ماء البئر من شربها بل على تقدير حمل أمر النزح على الوجوب أيضا لا يبعد أن يقال لعله للتعبد أو للاستقذار المذكور لا للنجاسة لكن فيهما بعد أو لأجل الامتزاج المذكور وليس ببعيد وأما صحيحة علي بن مهزيار ففيه إن صيغة خذ لا ظهور لها في الوجوب في عرف أئمتنا (عليهم السلام) نعم إذا وردت في روايات متعددة صيغة الامر ولم يوجد ما يدل على الاستحباب في روايات أخرى بل ولم يظهر أيضا قول من الأصحاب بالاستحباب فحينئذ لا يبعد أن يقال بظهورها في الوجوب كما ذكرنا سابقا وفيما نحن فيه ليس كذلك إذ يوجد الروايات الدالة على الاستحباب وكذا القول بخلاف الوجوب من الأصحاب ويمكن أيضا أن يقال أنه لا ظهور للرواية في أن المراد بقول أبي عبد الله (عليه السلام) هو قوله الذي انفرد به (عليه السلام) إذ لعله يكون قوله الذي مع قول أبي جعفر (عليه السلام) ويكون التعبير بهذه العبارة المشتبهة للتقية إذ سيجئ أنه يمكن أن يكون التقية في القول بالنجاسة وأما صحيحه محمد بن مسلم ففيها إن النهي لا يدل على الحرمة كما ذكرنا في الامر وأيضا يجوز أن يكون النهي عن الاكل في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر باعتبار أنها قل ما ينفك عن الاجزاء الخمرية التي ربما لا يسلم الطعام الموضوع فيها عن مخالطتها والامتزاج بها وأما صحيحة ابن سنان ففيها أيضا إن النهي عن الصلاة لا ظهور له في الحرمة على ما مر من أن صحيحتها الأخرى المنقولة قرينة على حمل النهي الوارد في هذه الصحيحة على الاستحباب ومع الحمل على الاستحباب لا يبقى الدلالة على النجاسة إذ الاستحباب يكفيه القذارة الغير الواصلة إلى حد النجاسة كما مر وأما صحيحتها الأخرى الدالة بظاهرها أنه قرر الإمام (عليه السلام) السايل بأن الخمر ينجس الثوب ففيها أن كونه من باب التقرير الذي يكون حجة منظور فيه إذ لا يجوز أن يكون قوله (عليه السلام) على تقدير التنزل والاستظهار ولا نسلم أنه حينئذ يكون من باب الاغراء بالقبيح القبيح أو من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو ظاهر وأما صحيحة الحلبي ففيها أن كون الخمر بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير لا يدل على نجاستها إذ يجوز أن يكون بمنزلتهما في الحرمة وحرمة الاستعمال إذ المنزلة لا عموم لها في جميع الأوصاف مع أنه يمكن أن يكون الحكم عليها بأنها بمنزلتهما من باب المجاز والمبالغة وهو وإن كان في خلاف الظاهر لكن لا يبعد المصير إليه بعد حصول المعارض وأما موثقة عمار والأولى ففيها بعد القدح في السند حمل النهى على الكراهة مع أن النهي الأخير الذي فيها محمول على الكراهة عند القائلين بالنجاسة فينبغي حمل هذا النهي أيضا عليها رعاية للمقارنة وأما موثقة الأخرى ففيها أيضا القدح وحملها على استحباب الغسل مع أن القائلين بالنجاسة الظاهر أنهم لا يقولون بوجوب غسل الإناء الذي يشرب فيه الخمر ثلث مرات فلا بد من حمله على الاستحباب وبعد ذلك الحمل لا يبقى الدلالة على النجاسة بحالها كما عملت وأما رواية خيران فمع ضعف سندها يحمل النهى الواقع فيها على التنزيه وحكمه على الخمر بأنها رجس لا يدل على النجاسة كما علمت في الآية والمعنى المناسب للرجس في هذه الرواية هو القذر على تقدير حمل النهي على الاستحباب كما لا يخفى وأما الضميمة التي لهذه الرواية في الكافي فجوابها علم مما قلنا في الصحيحة الأولى لابن سنان مع ما فيها من ضعف السند والاشتباه فيه وأما مرسلة يونس ففيها مع الارسال حمل الامر على الاستحباب وكذا رواية عمر بن حنظلة فيها مع القدح في السند حمل الامر الوارد فيها بالاهراق على الاستحباب على أنك قد عرفت في مبحث الماء القليل أنه لا يبعد القول بعدم نجاسته بالملاقاة فمن هذه الجهة أيضا لا بد من حمل هذا الامر على الاستحباب وأيضا يجوز أن يكون الامر بالاهراق للحرمة باعتبار أنه لا يكاد يسلم شارب ماء الحب الذي وقع فيه الخمر عن شرب ما مازجه من أجزائها وأما رواية أبي بصير ففيها أيضا بعد القدح في السند أن لفظة ينجس الواقعة فيها لا يظهر أن يكون بمعنى النجاسة التي في عرفنا المرادة ها هنا مع أن باب المجاز مفتوح وبعد حصول التعارض لا حجر في ارتكابه وأما رواية هارون ففيها أيضا ضعف السند وإن الحكم على الخمر بالجنابة وأنها بمنزلة الميتة لا يدل على النجاسة على قياس ما مر مرارا وأما
(٣٣١)