فاغسله أو اغسل البول مثلا عن الثوب أو اليدين أو مثل إن الشئ الفلاني إذا كان طاهرا فلا بأس بالصلاة فيه الدال بمفهومه على أنه إذا لم يكن طاهرا فيتحقق البأس فيه وهكذا في مثل هذه العبارات يتطرق وجهان على ما مر غير مرة أحدهما أن يقال أنه إذا ورد في أنه إذا وقع قذر في الاناء فلا يتوضأ منه فالامتثال إنما يحصل بأن يحصل اليقين أو الظن بأن عند وقوع القذر في الاناء لم يتوضأ والاخر أنه لا يلزم ذلك بل الامتثال يحصل بأن يحصل اليقين أو الظن بأن لا يتوضأ من الاناء عند حصول اليقين أو الظن بوقوع القذر فيه وقس عليه الحال في العبارات الأخرى ولعل الظاهر هو الثاني ولو سلم عدم الظهور فلا أقل من التساوي والأصل مع الثاني فيرجع إليه وكون التكليف اليقيني لا بد فيه من البراءة اليقينية غير مسلم مطلقا بل إن كان ففي بعض الصور ليس ها هنا موضع تفصيله وما نحن فيه ليس منه فينبغي بناء الكلام على الاحتمال الثاني والتكلم فيه فنقول إن قلنا إن المتبادر الشايع في التكليفات بمثل هذه العبارات إنه عند اليقين بوقوع القذر لا بد من اليقين أو الظن بعدم التوضي فالامر ظاهر إذ اليقين فيما نحن فيه مفقود وإن قلنا أنه يكتفي بالظن أيضا فنقول بعد الاغماض عن إن ما نراه من الشيوع والتبادر إنما هو في تكاليف العباد بعضهم بعضا فلعل تكاليفه سبحانه للعباد ليس كذلك لما نرى من نهيه عز وجل من اتباع الظن وذمه عليه أنا لو خلينا وهذه الأوامر المذكورة لحكمنا بمثل ما حكم به أبو الصلاح لكن ها هنا أمور أخرى يوجب العدول عنه الأول ما ورد في الاخبار من أن الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر وإن كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر وما لم تعلم أنه قذر وما لم تعلم فليس عليك وما ورد أنه لا يبالي أبول أم ماء فإذا لم يعلم وإنه إذا كنت على يقين من طهارتك أي طهارة ثوبك وبدنك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا وإن الفراء والكيمخت لا بأس به ما لم تعلم أنه ميتة وإن الخفاف التي تباع في السوق يشترى ويصلى فيها حتى يعلم أنه ميت بعينه وإن الثوب إذا أعير ذمي يعلم إنه يأكل الخمر ولحم الخنزير يصلي فيه ولا يغسل من ذلك لأنه أعير وهو طاهر ولم يستيقن إنه نجسة فلا بأس أن يصلي فيه حتى يستيقن أنه نجسة وإن طين المطر لا حاجة إلى غسله إلى ثلاثة أيام مع أن المظنون ملاقاة النجاسة له ومن أنه لا حاجة إلى غسل الرجل بعد الخروج من الحمام مع أن الظاهر فيه أيضا ملاقاة النجاسة ومن أن الوضوء من فضل وضوء المسلمين أحب مع الظن المذكور أيضا إلى غير ذلك من النظاير التي يطول الكلام بذكرها الثاني لزوم الحرج والمشقة المنتفيين في الدين لزوما ظاهرا الثالث إن الأدوار والأعصار متشابهة فالظاهر أن عصر النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) أيضا مثل عصرنا في كون أسواقه وبيوته مما يظن بملاقاة النجاسة لأكثر أهلها وآلاتها وأسبابها أوانيها وظروفها بل لعل الامر في عصرهم (عليهم السلام) أشد لقرب الاسلام واختلاط أهله بالكفار وعدم رسوخ القوانين الاسلامية في طبعهم وقلة الماء وكون مدارهم على الابار والمياه القليلة مع أنه لم ينقل عنهم (عليهم السلام) الاجتناب عن السوق وأهله والصبيان والخدام ونحوهم الرابع عمل جل الأصحاب ومعظمهم وبما قررنا ظهر حال ما إذا وجد في الأوامر الشرعية أمر مطلق بالطهارة بالماء الطاهر أو الصلاة في الثوب الطاهر ونحوهما لجريان هذا الجواب فيه أيضا ولا يخفى أن بعد ما ذكرنا من الوجوه لا يبقى سيرا اعتداد بقول أبى الصلاح ولعل الصلاح من حيث الاحتياط أيضا ليس في رعايته إذ في بعض الأمور التي مما نحن فيه مثل فضل وضوء المسلمين فقد ورد النص باستحباب استعماله وترك التنزه عنه فلا وجه للاحتياط فيه وفي البعض الاخر فأما أن يراعى الاحتياط فيه جميعا فلا شك أنه يؤدي إلى الحرج والمشقة ويمنع عن تحصيل كثير من الكمالات العلمية والعملية وكذا من اكتساب المعيشة الدنيوية والالتذاذ بطيباتها التي خلقها الله تعالى لعباده ومن عليهم بها وإن روعي في بعض دون بعض فمع أنه ترجيح بلا مرجح لا يظهر فايدة فيه إذ بعد ملاقاة البدن والثياب بكثير مما حصل فيه ظن النجاسة أي فايدة في الاجتناب عنه لان رجحان التخفيف والقلة في ملاقاة مثل ذلك مما لا شاهد له يعول عليه نعم لورد في خصوص شئ من هذه الأشياء خبر يدل على استحباب التنزه عنه فحينئذ يجتنب عنه عملا بهذا الخبر فأما فيما سواه فلا مثل ما ورد في الثوب الذي عمله أهل الكتاب إن غسله أحب هذا وأما حجة القول بقبول قول شاهدين عدلين فهي إن شهادتهما معتبرة في نظر الشارع قطعا ولهذا لو كان الماء مبيعا فادعى المشتري فيه العيب لكونه نجسا وشهد له عدلان ثبت له جواز الرد وهو مبني على ثبوت العيب وهذا وإن كان يمكن المناقشة فيه بأن اعتبار شهادتهما في نظر الشارع مطلقا بحيث يشمل ما نحن فيه ممنوع وقبول شهادتهما في الصورة المفروضة لا يدل على أزيد من ترتب جواز الرد وأخذ الأرش عليه وأما أن يكون حكمه حكم النجس في ساير الأحكام فلا بد له من دليل لكن الأولى الاخذ به رعاية للاحتياط مع معاضدته بعمل جمع كثير من الأصحاب إذ هو القول بالمشهور بين المتأخرين وإن كانت الشهرة بينهم ليست بمنزلة الشهرة بين القدماء إذ الشهرة بينهم مظنة وصول نص إليهم أو اطلاع منهم على حال المعصوم وخواصه رضي الله عنهم بخلاف الشهرة بين المتأخرين فإن فيها ليس ذلك المعنى لكن مع ذلك لا يخلو عن تأييد للمطلب ولا أقل من جهة حصول الاعتماد بالرأي لما رأى من موافقته لآرائهم مع كونهم علماء محققين مدققين طالبين للصواب محترزين عن الخطأ ولو فرض المخالفة فحينئذ يضعف الاعتماد على الرأي ولا يبقى قوته فافهم ثم إن التقييد الذي نقلنا عن بعض من تبيين السبب المقتضي للنجاسة فكأنه لا بأس به ووجهه ظاهر ولا يخفى إن رعاية هذا القول أي قبول قول شاهدين عدلين للاحتياط أمره واضح في بعض الصور كما إذا وجد ماء غيره وأما إذا لم
(٢٨٤)