ووجوب التيمم وأما كونهما بمنزلة الماء النجس في جميع الأحكام فلا والتعليلات قد عرف حالها فما بقي إلا الاجماع لو كان وإثباته مشكل وقد قيل في الاحتجاج المختار العلامة هنا إن المفروض كون الاشتباه موجبا للالحاق بالنجس في الاحكام فملاقيه أما نجس أو مشتبه بالنجس وكلاهما موجب للاجتناب واعترض عليه صاحب المعالم بقوله وفساده ظاهر فإن إيجاب الاشتباه للالحاق بالنجس إن كان في جميع الأحكام فهو عين المتنازع وإن كان في الجملة فغير مجد وكون مطلق الاشتباه موجبا للاجتناب في حيز المنع وإنما الموجب لذلك على ما هو المفروض اشتباه خاص كما لا يخفى انتهى وأنت خبير بأن منعه الأول لا مدخل له في المقام إذ المستدل لا يدعي إلا لحاق بالنجس في جميع الأحكام البتة كيف ولو ادعى ذلك لما احتاج إلى ضم المقدمة الأخرى التي ذكرها إليه وهو ظاهر بل في الجملة أي في الاجتناب فقط وهو مجد له بضم المقدمة الأخرى نعم يرد المنع على تلك المقدمة وقد أورده بقوله وكون مطلق الاشتباه إلى فالأولى الاكتفاء به وإسقاط ما قبله هذا ثم أمر الاحتياط ها هنا أيضا ظاهر خامسها أنه هل الاشتباه المراد ها هنا يشمل ما إذا شك أحد في وقوع النجاسة في الماء أو وقع الاشتباه في أن الواقع نجاسة أولا الظاهر لا للأصل ولما أورد في الروايات من أن الماء طاهر ما لم يعلم أنه قذر والظاهر أن أحدا من الأصحاب أيضا لم يقل به نعم قد وقع الخلاف بينهم فيما إذا حصل الظن بالنجاسة فحكى عن أبي الصلاح أنه يحكم بالتنجيس مطلقا وعن ابن البراج إنه يحكم بالطهارة مطلقا وقال العلامة في التذكرة إن استند الظن إلى سبب كقول العدل فهو كالمتيقن وإلا فلا وقال في المنتهى لو أخبره عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول أما لو شهد عدلان فالأولى القبول وقال في موضع آخر لو أخبر العدل بنجاسة إنائه فالوجه القبول ولو أخبر الفاسق بنجاسة إنائه فالأقرب القبول أيضا وحكم في المختلف بقبول شهادة عدلين ونسبه إلى ابن إدريس أيضا وجزم المحقق في المعتبر بعدم القبول في العدل الواحد وجعل القبول في العدلين أظهر ونص بعض الأصحاب على ما ذكره صاحب المعالم على اشتراط القبول في العدلين بتبيين السبب المقتضي للنجاسة لوقوع الخلاف فيه إلا أن يعلم الوفاق فيكتفي بالاطلاق وقيد جماعة الحكم بقبول أخبار الواحد بنجاسة مائه بما إذا وقع الاخبار قبل الاستعمال فلو كان الاخبار بعده لم يقبل بالنظر إلى نجاسة المستعمل له فإن ذلك في الحقيقة إخبار بنجاسة الغير فلا يكفي فيه الواحد وإن كان عدلا ولأن الماء يخرج بالاستعمال عن ملكه إذ هو في معنى الاتلاف أو نفسه وبهذا التقييد وقد صرح في التذكرة هذا ملخص الأقوال في المسألة والأقرب بالنظر إلى طريقتهم قول ابن البراج للأصل وعدم وجود دليل مخرج عنه بحيث يصلح للاعتماد كما يظهر عند تزييف أدلة الأقوال الأخرى وحكى عنه الاحتجاج على مذهبه بأن الطهارة معلومة بالأصل وشهادة الشاهدين لا تقيد إلا الظن فلا يترك لأجله المعلوم وظاهره ضعيف إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا أما أبو الصلاح فقد حكى عنه الاحتجاج بأن الشرعيات كلها ظنية وإن العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل وضعفه ظاهر إذ لا نسلم إن الشرعيات كلها ظنية وإن العمل يجب بالظن مطلقا بل إنما يجب العمل به لو وجب في مواضع مخصوصة بدلايل خاصة ولا دليل فيما نحن فيه فالتعدي منها إليه مجرد قياس وما ذكره من بطلان العمل بالمرجوح مع قيام الراجح فإنما يسلم لو سلم فيما إذا كان دليلان على شئ راجح ومرجوح وها هنا ليس كذلك إذ الراجح ها هنا وصول النجاسة إلى الماء مثلا والمرجوح عدم وصولها إليه وهما ليسا بدليلين ولا دليل راجح على أن ما رجح وصول النجاسة إليه يجب الاجتناب عنه حتى يقال أنه يجب العمل بالدليل الراجح فإن قلت الدليل الراجح هو إن هذا الماء وصل إليه النجاسة وكل ماء وصل إليه النجاسة يجب الاجتناب عنه أما الصغرى (فبالظن وأما الكبرى فمعلومة من الشرع والدليل المرجوح هو إن هذا الماء لم يصل إليه النجاسة وكل ماء لم تصل إليه النجاسة لا يجب الاجتناب عنه أما الصغرى) فبالوهم وأما الكبرى فكما ذكروا رجحان الأول على الثاني ظاهر لرجحان صغراه على صغراه قلت كبرى القياس الأول ممنوعة إذ المسلم إن ما وصل إليه النجاسة وعلم الوصول يجب الاجتناب عنه وأما بدون العلم فلا لا بد له من دليل ويمكن الاحتجاج لأبي الصلاح من وجه آخر ولعله أمكن إرجاع وجهه الثاني إليه بعناية بل الأول وهو أن يقال انا مكلفون بالطهارة بالماء الطاهر وكذا بالصلاة في الثوب الطاهر مثلا مطلقا ولا شك إن امتثال الامر المطلق إنما يحصل اليقين بالاتيان بما يحصل اليقين إن لم نكتف بالظن أو الظن أيضا إن اكتفينا به بأن المأمور به قد أتى به ولا شك أيضا إن عند الطهارة بالماء المفروض أي الذي ظن وقوع النجاسة فيه أو الصلاة في الثوب الذي لاقاه أو ظن أنه لاقى غيره من النجاسات لان كلام أبي الصلاح ليس في خصوص الماء بل كل ما ظن وقوع النجاسة فيه يحكم بوجوب الاجتناب عنه ماء أو غيره لا يحصل الظن بالطهارة بالماء الطاهر وكذا الصلاة في الثوب الطاهر إذ الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الامرية ولا يدخل العلم أو الظن فيها فالظاهر هو الطاهر في الواقع وظاهر أنا لا نظن به حينئذ بالطهارة في الواقع بل لو سلم دخول العلم أو الظن فيها فلا يضر أيضا بل ينفع إذ انتفاء العلم أو الظن بالطهارة بالماء المظنون الطهارة أو معلومها أو الصلاة في ثوب كذلك أظهر فيما نحن فيه فلا بد من الاجتناب عما يظن ملاقاة النجاسة له ليحصل الظن المذكور لان مقدمة الواجب المطلق مما لا بد منها ولا يخفى أن الاحتجاج على هذا من القوة بمكان وحينئذ فالجواب أن يقال أنا لم نجد في الآيات و الروايات على ما يحضرنا الان ما يكون قابلا بأن تطهروا بالماء الطاهر أو صلوا في الثوب الطاهر مثلا بالمعنى المراد ها هنا وقوله تعالى وثيابك فطهر بظاهره مخصوص بالرسول صلى الله عليه وآله وإثبات تعميمه مشكل مع إمكان المناقشة في ظهور كون الطهارة بالمعنى المراد بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية بل الأوامر فيها إنما هو بالطهارة بالماء مطلقا وكذا الأوامر بالصلاة أيضا مطلقة من دون تخصيص بالثياب الطاهرة وغاية ما يدل فيها على التقييد هو مثل ما وقع إن الماء إذا تغير مثلا فلا تتوضأ منه أو أنه إذا وقع قذر في الاناء فلا يتوضأ منه وأنه إذا وصل البول مثلا أو خصوص شئ آخر من النجاسات إلى الثوب أو البدن
(٢٨٣)