حرام إذ حينئذ لا يبعد أن يقال أنا مكلفون بترك الصلاة بالماء النجس ولا بد في الامتثال من تحصيل الظن أو اليقين بالمكلف به وذلك لا يتم إلا بترك استعمال كل من المائين لكن كأنها ليست غاية الأمر أنه علم بالضرورة أو الاجماع أو بحجج أخرى المنع من الصلاة بالنجاسة المتيقنة أو المظنونة على وجه وهذه الوجوه لا يجزي فيما نحن فيه وأيضا لا نسلم أنه لا يؤمن عند استعماله من الاقدام على الصلاة بالنجاسة لان كلا من المائين بانفراده طاهر بناء على أنه كان متيقن الطهارة واليقين لا يزول إلا باليقين والنجاسة مشكوك فيها فيرجع إلى يقين الطهارة فعند استعماله يكون آمنا من الصلاة بالنجاسة وعلى الوجه الثاني إن اليقين بوجوب الصلاة يقتضي اليقين بالاتيان بإجزائها وشرايطها التي ثبتت بالدليل وقد علمت أنه لم يثبت بالدليل سوى اشتراطها بالطهارة بالماء وبعدم التطهر بالمياه النجسة المتيقنة أو المظنونة على وجه وليس هذا منها سلمنا ثبوت اشتراطها بالطهارة بالماء الطاهر لكن نقول أنه طاهر بالوجه الذي قررنا نعم لو حصل يقين بالتكليف بأمر ولم يظهر معنى ذلك الامر بل يكون مترددا بين أمور فلا يبعد حينئذ القول بوجوب تلك الأمور جميعا ليحصل اليقين بالبراءة وكذا لو قال الامر إن الامر الفلاني مشروط بكذا ولم يعلم أو يظن المراد من كذا فعلى هذا أيضا الظاهر وجوب الاتيان بكل ما يمكن أن يكون كذا حتى يحصل اليقين أو الظن بحصوله واستدل أيضا على المطلوب بما رواه التهذيب في باب المياه في الموثق عن سماعة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) إلى أن قال وعن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما ويتيمم وهذا الخبر قد كرر في التهذيب في باب تطهير المياه وأورد في الاستبصار أيضا في باب الماء القليل وفي الكافي أيضا في باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع وبما رواه التهذيب في باب تطهير المياه في الموثق أيضا في حديث طويل عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما جميعا ويتيمم وقد كرر هذا الخبر في التهذيب في زيادات كتاب الطهارة باب التيمم وأحكامه والخبران وإن لم يكونا صحيحين لكن تلقى الأصحاب لهما بالقبول كأني قربهما إلى الصحة قال العلامة في المنتهى وسماعة وعمار وإن كانا ضعيفين إلا أن الأصحاب تلقت هذين الحديثين بالقبول وأيضا شهدوا لهما بالثقة وبالجملة لولا دعوى الاجماع من الشيخ والعلامة والاتفاق من المحقق وتلقي الأصحاب للروايتين بالقبول لأمكن النزاع في الحكم لأنا مكلفون بالطهارة بالماء عند وجود الماء وبالتراب عند عدم وجوده ولا شك أنه يصدق في هذه الصورة أن الماء موجود والمانع الذي يتوهم من احتمال النجاسة قد عرفت عدم صلاحية للمنع مفصلا لكن مع تلك الدعوى وذلك التلقي كأنه لا مجال للنزاع وإن كان مع ذلك أيضا العمل بالاحتياط في بعض الصور النادرة أي التي فرضنا عند شرح قول المصنف بخلاف المشتبه بالنجس بأن يتطهر بهذا الماء ثم يتيمم لا يخلو من وجه لان تحقق الاجماع في مثل هذه الصورة وكذا شمول الروايتين لها غير ظاهر لجواز أن يكون الحكم إجماعا أو رواية في الافراد المتعارفة الشايعة والله يعلم ثم ها هنا أمور أحدهما أن المشتبه بالنجس ما هو أقول إن للاشتباه المراد ها هنا صور الأول أن يكون ماء طاهر وماء نجس ثم اشتبه أحدهما بالآخر ولم يدر الطاهر من النجس الثاني أن يكون ماءان طاهران وعلم بوقوع القذر في أحدهما لكن لم يعلم في أيهما وقع الثالث أن يكون ماءان طاهر ونجس وتلف أحدهما ولم يعلم أيهما التالف فالباقي مشتبه وقد ذكروا للاشتباه صورتين أخريين بناؤهما على تعارض الشهادات وسنذكرهما بعيد هذا ثانيها إن الحكم مخصوص بالانائين أو يشملهما والزايد عليهما بل وغير الاناء أيضا من الغديرين والقليبين ونحوهما قد صرح الشيخان والفاضلان بتعميمه في الزايد على الإنائين ونية بعضهم على ما ذكره صاحب المعالم على التعميم في غير الاناء أيضا وقد عرفت مما قررنا أنه لو ثبت إجماع في صورة فهو المتبع وإلا فالحكم غير ظاهر لان الروايتين المقبولتين مخصوصتان بالانائين فإجراؤهما في غيرهما مشكل والتعليلات الأخرى معتلة فالعدول عن الأصل لا داعي إليه لكن أمر الاحتياط واضح ثالثها إن العلامة قال في المنتهى لو كان أحد الإنائين متيقين الطهارة والاخر مشكوك النجاسة كما لو انقلب أحد المشتبهين ثم اشتبه الباقي بمتيقن الطهارة وجب الاجتناب وفيه منع إذ ظاهرا أن الروايتين لا تشمل هذه الصورة و تحقق الاجماع فيها أيضا غير ظاهر ولم نر في كلام أحد دعواه فيها والتعليلات المذكورة غير تامة فالظاهر الرجوع إلى الأصل لكن الاحتياط في التجنب في بعض الصور وفي الاستعمال في بعضها مع ضم التيمم ثم بعد التمكن من الماء الطاهر يقينا تطهير ما لاقاه ذلك الماء فإن قلت ظاهر في بعض الصور الاحتياط في استعمال ذلك الماء ثم التيمم مثل ما لو أمكن بعد الطهارة به تطهير الأعضاء لا الطهارة لكن إذا لم يمكن تطهير الأعضاء ففي هذه الصورة هل الاحتياط في الاستعمال أو التجنب حذرا عن تنجس الأعضاء قلت الظاهر أن الاحتياط في الاستعمال لان حذر النجاسة ليس له قوة دليل الطهارة ودليل وجوب التطهر به لكن الاحتياط بعد التمكن من التطهير تطهير الأعضاء الملاقية كما أشرنا إليه ولو ضم مع ذلك الاحتياط إعادة الصلاة أيضا لكان أحوط وتوهم التشريع كأنه لا قوة له رابعها إن هذا الماء المفروض حكمه حكم النجس في خصوص عدم إجزاء استعماله في الطهارة وإزالة النجاسة أو مطلقا حتى إذا لاقى شيئا نجسه صرح العلامة في المنتهى بالثاني حيث قال لو استعمل أحد الإنائين وصلى به لم يصح صلاته ووجب عليه غسل ما أصابه المشتبه بماء متيقن الطهارة كالنجس وحكى عن بعض العامة أنه نفى وجوب الغسل منه معللا بأن المحل طاهر بيقين فلا يزول بالشك في النجاسة وأجاب عنه بأنه لا فرق في المنع بين يقين الطهارة وشكها هنا وإن فرق بينهما في غيره والظاهر أن لم يكن إجماع هو الأول لما حكى عن بعض العامة وما أجاب به العلامة غير تمام لمنع عدم الفرق في المنع بين يقين الطهارة وشكها هنا إذ غاية ما يلزم من الحديثين إهراقهما
(٢٨٢)