لو قلت قام زيد ثم عمرو وخالد دل ذلك على تقدم قيام زيد على عمرو أما تقدم عمرو على خالد فلا لكن فقهاؤنا اليوم بأجمعهم يفتون بتقدم اليمين على الشمال ويجعلونه شرطا في صحة الغسل وقد أفتى بذلك الثلاثة وأتباعهم انتهى ثم اعلم إن الصدوقين لم يصرحا بالترتيب بين الجسد ولا بنفيه لكن كان الظاهر أنهما لا يريان الترتيب وإلا لأشعرا به كما صرح في الفقيه بالترتيب بين الرأس والجسد والظاهر من كلام ابن الجنيد أيضا عدم الترتيب في البدن وابن أبي عقيل عطف الأيسر بالواو وهو مما يشعر أيضا بعدم الترتيب وعلى هذا فلا ظن الاجماع الذي ادعاه الشيخ في الخلاف كما نقلنا وابن زهرة وابن إدريس أيضا ولا بالاجماع المركب الذي نقلنا عن المصنف في الذكرى فلا يبعد حينئذ القول بعدم وجوب الترتيب بين الميامن والمياسر للأصل وإطلاق الآية والروايات الكثيرة المشعرة به منها ما رواه التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول ثم تدخل يدك في الاناء ثم اغسل ما أصابك منه ثم أفض على رأسك وجسدك ولا وضوء فيه ووجه الاشعار ظاهر ومنها صحيحة محمد قبن مسلم المتقدمة آنفا ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الجنابة فقال تصب على يدك الماء فتغسل كفيك ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ثم تمضمض وتستنشق وتصب الماء على رأسك ثلاث مرات وتغسل وجهك وتفيض على جسدك الماء ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق ثم يدخل يده في إنائه ثم يغسل فرجه ثم يصب على رأسه ثلاث مرات ملا كفيه ثم يضرب بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كله فما انتضح من مائه في إنائه بعد ما صنع ما وصفت فلا بأس إلى غير ذلك من الروايات الواردة بهذا الطريق ويؤيده أيضا ما رواه في باب الأغسال في الزيادات عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد بقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال له ما كان عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب صفة الغسل بطريق واضح الصحة وقد يستشكل في هذه الرواية من حيث إباء العصمة عن إغفال اللمعة وأجيب بأن الترك يجوز أن يكون عمدا للتعليم وما رواه أيضا في باب حكم الجنابة عن بكر بن كرب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل من الجنابة أيغسل رجليه بعد الغسل فقال إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه فلا عليه أن يغسلهما وإن كان يغتسل في مكان يستنفع رجلاه في الماء فليغسلهما وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور قال المصنف في الذكرى وأبو الصلاح أوجب الترتيب ثم قال بعد غسل الأيسر ويختم بغسل الرجلين فإن ظن بقاء شئ من صدره أو ظهره لم يصل إليه الماء فليسبغ بإراقة الماء على صدره وظهره وكذا قاله بعض الأصحاب انتهى وعلى هذا فالتأييدان المذكوران لا يدلان على عدم وجوب الترتيب مطلقا بين الجسد بل على ما ذهب إليه أبو الصلاح إلا أن يثبت أن ما ذهب إليه خرق للاجماع المركب فيكونان حينئذ دالين على عدم الترتيب مطلقا بين الجسد وقد يجاب عن الأول بأنه يجوز أن يكون تلك اللمعة في الجانب الأيسر وعن الثاني بأنه يجوز أن يكون المراد غسل الرجلين للتنظيف لا الغسل الذي من أجزاء الغسل وقد يجاب عن الروايات السابقة أيضا بأنها مطلقة والمطلق يجب حمله على المقيد فليحمل على الروايات الدالة على الترتيب وفيه أنه بعد تسليم وجوب الحمل أن الروايات الدالة على الترتيب بين أجزاء الجسد إذ قد عرفت عدم دلالة ما تمسكوا به نعم هذا الجواب إنما يحسن لو تمسك ببعض الروايات المذكورة على الترتيب بين الرأس والجسد إذ لا دلالة الروايات المتقدمة على الترتيب بينهما ظاهرة مع قوة الظن أيضا بالاجماع عليه إذ لم يظهر من كلام أحد من الأصحاب خلافه وأما ما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن هشام ابن سالم قال كان أبو عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة ومعه أم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها فقال لها إذا أردت أن تركبي فاغسل رأسك ففعلت ذلك فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأسها فلما كان من قابل انتهى أبو عبد الله (عليه السلام) إلى ذلك المكان فقالت له أم إسماعيل أي موضع هذا فقال لها هذا الموضع الذي أحبط الله فيه حجك عام أول فلا عبرة به لان هشام بن سالم نفسه روى عن محمد بن مسلم هذه الواقعة بعينها خلافه قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه فقال أدنه هذه أم إسماعيل جاءت وأنا أزعم أن هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجها عام أول كنت أردت الاحرام فقلت ضعوا إلي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستحفظتها فأصبت منها فقلت اغسل رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الاحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها فقلت لها هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك وحينئذ لا يبقى الظن به بل الظاهر أن الراوي سهى ونقل بالعكس مما كان إذ احتمال الغلط فيه أقرب منه في الثاني للتفصيل الواقع فيه فتدبر هذا والاحتياط أن يراعى الترتيب كما هو المعروف بين الأصحاب ولا يجري على تركه ثم اعلم أن ما ذكره المصنف من ضم العنق إلى الرأس قد نص عليه المفيد في المقنعة ونسب في الذكرى إلى الجماعة أيضا وما وجدنا في الروايات ما يدل عليه سوى مضمرة زرارة وموثقة سماعة المتقدمتين آنفا فإن لهما أدنى إشعار به فمقتضى الاحتياط حينئذ أن يغسل الرأس بتمامه
(١٦٩)