لو لم يكن دعوى الاجماع لأمكن الجمع بينها بحمل الروايات السابقة على الاستحباب وهذه على نفي الوجوب لكنه مانع قوي هذا وأما الاكتفاء بالوضوء كما هو ظاهر الفقيه فمستنده ما رواه أيضا مرسلا في باب غسل الجنابة قال بعد ما نقلنا عنه سابقا من رواية الحلبي وروى في حديث آخر إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل إنما ذلك من الحبايل ثم قال قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه إعادة الغسل أصل والخبر الثاني رخصة انتهى ولا يخفى أنه لضعفه بالارسال لا يعارض الروايات المتقدم اللهم إلا أن يمنع ظهورها في وجوب الغسل وقد يأول أيضا بالتأويل المذكور آنفا واعلم أن المصنف (ره) في الذكرى نقل الجزء الأخير من صحيحة محمد المنقولة عن التهذيب في أول البحث هكذا قال محمد قال أبو جعفر (عليه السلام) من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء المشار إليها في الفقيه عليه وعلى هذا يسلم عن الضعف لكنه ما وجدناه في التهذيب والاستبصار بهذا الطريق وقد نقله العلامة في المنتهى على النحو الذي نقلنا أيضا وكأنه كان في نسخته هكذا أو وقع سهو في البين والله أعلم وأما الثالث وهو وجدان البلل بعد البول دون الاجتهاد فالمعروف بينهم إعادة الوضوء حينئذ خاصة واستدل عليه بالروايات المتقدمة الدالة على عدم وجوب إعادة الغسل مع البول وإعادة الوضوء وبمفهوم رواية حفص ومحمد بن مسلم وعبد الملك بن عمر والمتقدمة آنفا وباطلاق رواية ابن سنان المذكورة وقد نقل أيضا ابن إدريس الاجماع عليه وقد تعارض الروايات بما رواه الكافي في باب الاستبراء من البول في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بال ثم توضأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا قال لا يتوضأ إنما ذلك من الحبايل وهذه الرواية في الفقيه أيضا في باب ما ينقض الوضوء وبما رواه التهذيب في باب الاحداث في الصحيح عن حريز قال حدثني زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إن سال من ذكرك شئ من مذي أو وذي فلا تغسله ولا تقطع له صلاة ولا تنقض له الوضوء إنما ذلك بمنزلة النخامة كل شئ خرج منك بعد الوضوء فإنه من الخبايل ولا يذهب عليك إنه على قانون الجمع الترجيح مع هاتين الروايتين لأنك قد عرفت أن الروايات المتقدمة الدالة على إعادة الوضوء مع البول للمجنب لو حمل على الوجوب لابد من تخصيصها بما قبل الاستبراء للاجماع والروايات فحملها على الاستحباب أولى من أن يرتكب التخصيص فيها وفي هاتين الروايتين مع ما عرفت من أنه يمكن أن لا يكون في الاستحباب خلاف ظاهر وقس عليه الحال في رواية ابن سنان وما مفهوم الروايات المذكورة فمع إمكان المناقشة في المفهوم لا ظهور له في الوجوب فالأولى حمله على الاستحباب وإبقاء إطلاق الروايتين بحاله لكن دعوى الاجماع هاهنا أيضا مانع قوي والأولى الاخذ بما يقتضيه ثم اعلم أن الشيخ (ره) قال في التهذيب بعد نقل روايتي محمد ومعوية بن ميسرة المتقدمتين فما يتضمن هذان الحديثان من ذكر إعادة الوضوء فإنما هو على طريقة الاستحباب لأنه إذا صح بما قدمنا ذكره أن الغسل من الجنابة مجزي عن الوضوء ولم يحدث هاهنا حدث ينقض الوضوء فينبغي أن لا يجب عليه الطهارة ولا تعلق على ذمته الطهارة إلا بدليل قاطع وليس هاهنا دليل يقطع العذر ويحتمل أيضا أن يكون ما خرج منه بعد الغسل كان بولا فيجب عليه حينئذ الوضوء وإن لم يجب الغسل حسبما تضمنه الخبر انتهى وهذا بظاهره دليل على أنه لا يرى وجوب الوضوء لو وجد بلل مشتبه بعد البول وقبل الاستبراء لكنه قد صح في المبسوط بالوجوب وكأنه لما كانت الروايتان دالتين على إعادة الوضوء مطلقا فحملهما على الاستحباب في أحد نوعيه وهو ما بعد الاستبراء وحمل البلل أولا على البلل الذي لا يشتبه بالبول فلذا حمل على الاستحباب وحمله ثانيا على البلل المشتبه به فحكم بوجوب الوضوء والله أعلم ثم إن الظاهر من كلام الأصحاب أن البلل الذي يوجب إعادة الوضوء إذا خرج قبل الاستبراء إنما هو البلل المشتبه بالبول ولم يصرحوا بالمراد من الاشتباه هل هو الشك أو مجرد الاحتمال كاف والروايات مطلقة فالأولى والأحوط إعادة الوضوء باحتمال البول وكذا الحال في البلل المشتبه بالمني وأما الرابع وهو وجدان البلل بعد الاجتهاد دون البول فهو يحتمل وجهين لان أما أن يكون مع تيسر البول أو لا أما الأول فالظاهر من كلامهم وجوب إعادة الغسل حينئذ أيضا ويفهم من ظاهر الشرايع والنافع عدم الوجوب ولا يخفى إن الخلاف المنقول عن الصدوق في الصورة الثانية جريانه في هذه الصورة أظهر بالنسبة إلى عدم وجوب الغسل وأما بالنسبة إلى وجوب الوضوء فلا يعلم حاله والأول أظهر لاطلاق الروايات المتقدمة المتضمنة لإعادة الغسل بدون البول مع متابعة الأصحاب وإن كان للمناقشة مجال والاحتياط أن يضم في هذه الصورة مع الغسل وضوء أيضا خروجا عن عهدة إطلاق رواية الفقيه وكذا في الصورة الثانية وأما الثاني فالمفيد في المقنعة صرح بعدم وجوب شئ من الوضوء والغسل حينئذ وهو الظاهر من كلام الشيخ أيضا ومن الشرايع والنافع وكلام الصدوق ظاهر أيضا في عدم وجوب الغسل وأما عدم وجوب الوضوء فلا يعلم حاله من كلامه واستشكل العلامة (ره) في النهاية والمنتهى حجة القول بعدم وجوب الغسل والوضوء الروايات المتقدمة الدالة على عدم وجوب شئ لخروج البلل وإنما حملوها على عدم تيسر البول كما ذكرنا سابقا وفيه ضعف أما أولا فلعدم صحة الروايات وأما ثانيا فلعدم قرينة مخصصة بهذه الصورة والأظهر والأحوط الحكم بوجوب إعادة الغسل لاطلاق الروايات المعتبرة المتقدمة الدالة على وجوب الإعادة مع عدم البول وإن كان يمكن المناقشة بعدم الظهور في الوجوب و معارضتها بما يدل على أن اليقين لا ينقض إلا باليقين مع أنه لا إجماع هاهنا أيضا على الحكم وتمام الاحتياط أن يضم مع الغسل وضوء أيضا لما ذكرنا آنفا واعلم
(١٧٤)