فإذا وجد وجب عليه الغسل وإذا لم يجد علم أن الخارج منه ليس بمني انتهى كلامه رفع مقامه وهذا كلام جيد مطابق لما يحكم به الوجدان وأيد أيضا بأن السائل رتب خروج المني على الملاعبة والتقبيل مع أن الغالب حصول المذي عقيبهما لا المني فبين (عليه السلام) حكم الخارج بقسميه وقس عليه أيضا ما رواه في هذا الباب عن يحيى بن أبي طلحة أنه سئل عبدا صالحا عن رجل مس فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت عليها غسل أم لا قال أليس قد أنزلت من شهوة قلت بلي قال عليها الغسل مع أنه غير صحيح وأيضا الاستدلال به بطريق المفهوم الذي لا يعتد به وكذا أيضا بعض الروايات المتقدمة مثل رواية إسماعيل بن سعد ومعوية ومحمد بن الفضيل هذا وأما إذا اشتبه الخارج ولم يعلم أنه منى أو لا فقد ذكر جمع من الأصحاب كالمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى أنه يعتبر في حال الصحة باللذة والدفق وفتور البدن وفي المرض باللذة وفتور البدن ولا عبرة فيه بالدفق لان قوة المريض ربما عجزت عن دفقة وزاد جمع آخر كالمصنف في الذكرى وفي هذا الكتاب علامة أخرى يرجع إليها عند الاشتباه وهو قرب رايحته من رايحة الطلع والعجين إذا كان رطبا وبياض البيض إذا كان جافا واحتج المحقق والعلامة على ما ذكراه في الصحيح بأنها صفات لازمة في الأغلب فمع الاشتباه يستند إليها وبصحيحة علي بن جعفر المتقدمة آنفا وفي المريض بما تقدم من العجر وبما رواه التهذيب في باب أغسال الزيادات في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة ويستيقظ فينظر فلا يجد شيئا ثم يمكث الهوين بعد فيخرج قال إن كان مريضا فليغتسل وإن لم يكن مريضا فلا شئ عليه قال قلت له فما الفرق بينهما قال لان الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفعة قوية وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد واحتج المنتهى بما رواه أيضا في هذا الباب في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللا قليلا قال ليس بشئ إلا أن يكون مريضا فإنه يضعف فعليه الغسل وهاتان الروايتان في الكافي أيضا بطريق حسن في باب احتلام الرجل والمرأة ويمكن أن يحتج بما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن زرارة قال إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإن ربما كان هو الدافق لكنه يجئ مجيئا ضعيفا ليست له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل منه وهذه الرواية في الكافي أيضا في الباب المذكور ويؤيد بما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة ثم قام فلم ير في ثوبه شيئا قال فقال إن كان مريضا فعليه الغسل وإن كان صحيحا فلا شئ عليه ثم إن الظاهر بل الصريح من كلامهما إنه لابد في الصحيح من الأمور الثلاثة ولا يكفي واحد منها أو اثنان و يكفي المريض الاثنان ولا يخفى أن كل حكم من هذين الحكمين مشتمل على جزئين إيجابي وسلبي الأول أنه يجب عليهما الغسل عند وجود هذه الأوصاف الثلاثة أو اثنين منها والثاني إنه لا يجب عند فقد أحد الثلاثة أو الاثنين أما الدليل الأول الذي أورداه في الصحيح فدلالته على الجزء السلبي ظاهر لان الأصل براءة الذمة من الوجوب حتى ثبت والظاهر في المني بناء على الأغلب وجود هذه الأوصاف الثلاثة فمع فقد أحديها لا يحصل العلم بكون الخارج منيا فينبغي أن يعمل بأصل البراءة بأصل استصحاب الطهارة لكن يعارضه بعض الروايات المتقدمة المتضمنة لتعليق الغسل على مجرد الشهوة كرواية إسماعيل بن سعد ومعاوية ومحمد بن الفضيل إلا أن تحمل على أنه اكتفى فيها بالشهوة بناء على الغالب إذ في الغالب لا ينفك الشهوة عن الوصفين الأخيرين لكن لا يخفى أنه خروج عن ظاهر اللفظ فلا بد له من دليل إلا أن يجعل الدليل رواية علي بن جعفر ونحوها وحينئذ يلزم الاستدراك إذ يكفي أن يتمسك أولا بالرواية وأما دلالته على الجزء الايجابي فالظاهر لو حصل العلم من هذه الأوصاف بكونه منيا وأما إذا لم يحصل ففيه إشكال من حيث أنه لا دليل ظاهرا على الاكتفاء بالظن في هذه الأمور إلا أن يتمسك بالروايات ويلزم حينئذ أيضا الاستدراك وقس عليه الحال في ما ذكروه في المريض من حديث العجر والأولى التعويل في الحكم على الروايات فلنتكلم في كيفية دلالتها ومعارضته الروايات الأخرى لها ووجه الجمع بينهما فنقول أما صحيحة علي بن جعفر المتقدمة فمنطوق جزئها الأول صريح في وجوب الغسل مع تحقق الأوصاف الثلاثة ولا معارض له في هذا المعنى فيجب العمل فيه فقد ثبت الجزء الايجابي من المدعى المذكور في الصحيح ومفهومه دال على عدم وجوب الغسل مع عدم تحقق هذه الأوصاف وقد عرفت سابقا أنه يلزم تأويله بما إذا لم يتيقن أنه مني وبه يثبت الجزء السلبي أيضا من المدعى المذكور لكن يعارضه مفهوم الجزء الآخر من الرواية لان مفهومه دال على وجوب الباس مع تحقق الشهوة والفترة وإن لم يكن دفع على وجه ومع تحقق إحديهما فقط على آخر والجمع بينهما يمكن على الوجه الأول إما بحمل الجزء الأول على أن ذكر الدفع من باب الغالب إذ الغالب وجوده مع الشهوة والفترة وأما بحمل الجزء الثاني على الغالب أيضا لان الغالب انتفاء عند انتفائهما فاكتفى به عنه والحمل الثاني معتضدا بالأصل فتعين المصير إليه نظرا إلى مجرد هذه المعارضة وقس عليه الحال في الوجه الثاني ويعارضه أيضا رواية إسماعيل بن سعد ومعوية ومحمد بن الفضيل ويحيى بن أبي طلحة المتقدمة والجمع بينه وبينها أيضا بالوجهين المذكورين لكن الروايات غالبة عليه من حيث أن دلالتها من حيث المنطوق وهذه الدلالة من حيث المفهوم مع أن مفهوم الجزء الآخر أيضا معارض له فحينئذ الترجيح مع الروايات لان معاضدة الأصل لا ينفع مع غلبة المعارض هذا كله على تسليم أن مفهوم جزاء الأول من الصحيحة رفع الايجاب الكلي لا السلب الكلي وعلى تسليم عموم المفهوم أيضا ولو لم يسلما أو أحدهما فالامر أظهر كما لا يخفى فظهر أن ما يستنبط من النظر في هذه الرواية ومعارضاتها عدم الاعتذار بالدفع وأما الفتور فالظاهر أنه لازم للشهوة فلا حاجة إلى التعرض له ولو فرض عدم اللزوم فحاله يستنبط مما ذكر ويعلم منه أنه لا اعتداد به أيضا واعلم أن ما ذكر من عدم الاعتداد بالدفع والفتر نظرا إلى هذه الرواية ومعارضاتها إنما هو باعتبار
(١٥٨)