مشارق الشموس (ط.ق) - المحقق الخوانساري - ج ١ - الصفحة ٨٩
الله بالعمل لان الثواب لما كان من عند الله فمبتغيه مبتغ لوجه الله نعم قصد الطاعة التي هي موافقة الإرادة أولى لأنه وصول بغير واسطة ولو قصد المكلف في تقربه الطاعة لله أو ابتغاء وجه الله كان كافيا ويكفي عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية كل مقصد انتهى ومراده بالآي مثل قوله تعالى ويدعوننا رغبا ورهبا وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون أي راجين الفلاح أو لكي تفلحوا والفلاح هو الفوز بالثواب قاله الطبرسي (ره) وقال بعض هو الفوز بالأمنية وقوله تعالى قد أفلح المؤمنون وقوله تعالى إلا أنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته بعد قوله تعالى ويتخذ ما ينفق قربات عند الله كما ذكره في الذكرى ولا يخفي أن دلالة الآيات المذكورة وأن لم يتم على المراد سيما بعضها لكنها مما يصلح للتأييد وكذا الحال في الترغيبات والترهيبات ويمكن الاستدلال عليه أيضا بما روى عنهم (عليهم السلام) في الصحيح عن من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه وكذا ما رواه أصول الكافي في باب العبادة في الحسن بن إبراهيم بن هاشم ظاهرا عن هارون بن خارجه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال العبادة ثلاثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة وأيضا تخليص القصد عن النظر إلى الثواب والعقاب أمر مشكل جدا يحتاج إلى مجاهدات عظيمة ورياضات شاقة فتكليف عامة الناس به لا يناسب الشريعة السمحة السهلة هذا كله مع أنك قد عرفت أن الدلايل التي استدلوا بها على وجوب القربة إنما يدل على تقدير تمامها على وجوب الاخلاص الذي هو اما البراءة من الشرك أو الريا ولا يدل على أزيد من ذلك وليس ما يدل على وجوب القربة حتى ينظر في معناها وعلى تقدير وجوده أيضا لما حصل الشك في المعنى القربة فإما يحكم بوجوب القدر المتيقن كما مر غير مرة خصوصا مع وجود المعارضات والاجماع الذي نقلوا على وجوبها أيضا على تقدير تحققه ليس بموجود في المعنى الأول فعلى هذا الظاهر صحة المعنى الثاني أيضا وعدم بطلان العبادة به بل لا يبعد القول بصحة العبادة لطلب الاغراض الدنيوية المباحة أيضا عن جنابه سبحانه كما نبه عليه ما ورد أن صلاة الليل تزيد في الرزق والصدقة ترد البلاء وصلة الرحم تنسي الاجل فإن قلت ما تقول في الاتيان بالعبادة لأجل حسنها في الواقع لا لأنها أمر بها سبحانه ولا لطلب ثواب وخوف عقاب منه أو القرب إليه أو لحبه أو نحو ذلك مما ينظر فيه إلى وجه لله تعالى قلت الظاهر على ما ذكرنا من عدم دليل على الزايد من وجوب نفي الشرك أو الرياء صحة تلك العبادة وكذا الظاهر من كلام المتكلمين لكن لم نقف فيه على نص من الأصحاب وأنه على طريقتهم من وجوب القربة وابتغاء وجه الله تعالى ما يقولون في مثل هذا لكن لا يذهب عليك أن ما ذكر من الفرض يحتمل وجهين الأول أن يكون الفاعل مستشعرا بأنها عبادة وطاعة لله تعالى ويفعله الاجل حسنها في الواقع وحينئذ الظاهر أنها على طريقة القوم أيضا صحيحة وداخله تحت ابتغاء وجه الله بل هي في أعلى مراتب العبادة وأولى مما يكون لقصد الثواب والخوف من العقاب والثاني أن لا يكون مستشعرا بذلك بل قد حصل له العلم أما من العقل والشرع بأن لوضوء مثلا حسن وانما يفعله لأجل حسنه وحينئذ فيه إشكال على طريقة القوم ولا يخفى عليك أنه يمكن الاستدلال على وجوب القربة بالمعنى الذي ذكر بقوله (عليه السلام) إنما لامرئ ما نوى فتأمل هذا وبما ذكرنا من أن أحد إجزاء النية التي ذكرها الأصحاب إنما هو القربة بالمعنى الذي ذكروا لا شك أنها أمر مشكل سيما إذا كانت بالمعنى الأول فإنه في نهاية الصعوبة وليست هي مجرد القصد إلى الفعل ظهر حال ما قاله بعض الفضلاء في تسهيل أمر النية واستحسنه بعض من أنه كلف الله الصلاة وغيرها من العبادات بغير نية كان تكليف ما لا يطاق لان هذا إنما يكون له وجه صحة لو كان المراد من النية مجرد القصد إلى الفعل وأما عدم تعرض القدماء لأمرها فكأنه لأجل أن وجوب ما سوى قصد الفعل والقربة من الزيادات التي ذكرها المتأخرون وكذا بعض الشرايط كالمقارنة والاحكام التي يتفرع على هذه الأمور ليست بثابتة كما سنذكره إنشاء الله تعالى والامر الأول من هذين في غاية السهولة و الأمر الثاني قد أغناهم كثرة الآيات والروايات الواردة فيه عن التعرض له والله تعالى اعلم بحقايق الأمور وأما قصد الوجوب فقد اختلف القوم فيه فالشيخ (ره) في النهاية وظاهر المبسوط والمحقق في المعتبر على عدم وجوبه والعلامة في جملة من كتبه والمحقق في الشرايع وابن إدريس على وجوبه والأول أظهر لنا أصل البراءة وصدق الامتثال مع عدم المخرج عن الأصل كما سيظهر من جواب دليل المخالفين ويؤيده أيضا أمرهم (عليهم السلام) بالواجبات والمندوبات بطريق واحد من غير تعرض الموجوب أو الندب ولو كان قصد الوجوب أو الندب شرطا لما كان كذلك واحتج المخالفون بوجهين الأول أن الامتثال في العبادة إنما يتحقق بإيقاعها على الوجه المطلوب ولا يتحقق ذلك الوجه في الفعل المأتي به إلا بالنية بدليل إنما لكل امرئ ما نوى الثاني أن الفعل لما جاز وقوعه تارة على وجه الوجوب وأخرى على الندب فاشترط تخصيصه بأحدهما حيث يكون ذلك هو المطلوب و التخصيص لا يحصل إلا بالنية وفي الوجهين نظر أما الأول فلانه أن أريد بإيقاعها على الوجه المطلوب إيقاعها بشرائطها وأركانها المعتبرة فيها شرعا فمسلم لكن لا نسلم أن من جملتها قصد الوجوب أو الندب وإن أريد به إيقاعها عل قصد وجهه الذي هو الوجوب أو الندب كان مصادرة محضة فإن قلت المراد الأول لكن لا ندعي أن من جملة وجوهها قصد الوجوب أو الندب حتى يكون في معرض المنع بل ندعي أن من جملتها الوجوب أو الندب وهو لا يقبل المنع إذ لا شك أن امتثال الامر الواجبي إنما يكون بالاتيان بالفعل الواجب دون الندب وكذا الحال في الندب وهذا الوجه لا يحصل في الفعل إلا بالنية إذ بدون النية يحتمل
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ترجمة المصنف (قدس) 2
2 ترجمة الشارح (قدس) 3
3 كتاب الطهارة معنى الطهارة لغة 5
4 اشتراط النية في الطهارة 5
5 في وجوب الوضوء 5
6 بيان وجوب الوضوء لمس خط القرآن 11
7 وجوب غسل الجنابة للصلاة 15
8 في وجوب التيمم للصلاة 16
9 في بيان وجوب الطهارات لنفسها أو لغيرها 26
10 حكم امكان التوضؤ والغسل والتيمم قبل الوقت وعدم امكانه بعد الوقت 32
11 استحباب الوضوء للصلوات المندوبة 33
12 تنبيه في التسامح في أدلة السنن 34
13 استحباب غسل الجمعة 39
14 وقت غسل الجمعة 41
15 الأغسال المستحبة في شهر رمضان 43
16 استحباب غسل العيدين 44
17 في الأغسال المستحبة 44
18 في رافعية الغسل المندوب للحدث 47
19 في استحباب التيمم بدل الوضوء المستحب 50
20 موجبات الوضوء 51
21 موجبات الغسل 61
22 في وجوب الوضوء مع الأغسال الواجبة الا الجنابة 69
23 وجوب ستر العورة عن الناظر 70
24 حرمة استقبال القبلة واستدبارها 70
25 في المسح بالحجر 75
26 مستحبات التخلي 78
27 فيما يستحب حال التخلي 78
28 ما يستحب عند الاستنجاء 79
29 في كيفية الخرطات التسع 80
30 المكروهات في حال التخلي 81
31 في عدم اشتراط الاستنجاء في صحة الوضوء 86
32 في وجوب النية المشتملة على القربة عند الوضوء 88
33 في حكم المبطون والسلس والمستحاضة 91
34 في اشتراط قصد الإطاعة وعدمه 91
35 فيما لو نوى رفع حدث واستباحة صلاة بعينها 94
36 عدم صحة الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر 98
37 في بطلان لو نوى لكل عضو نية تامة 98
38 حكم البالغ في الوقت 100
39 في حد غسل الوجه 100
40 غسل الاذنين ومسحهما بدعة 107
41 في حد غسل اليدين 108
42 عند افتقار الطهارة إلى معين بأجرة 112
43 في حد مسح الرأس 112
44 في كراهة مسح جميع الرأس 118
45 وجوب مسح الرجلين 118
46 في عدم جواز المسح على حائل من خف وغيره الا لتقية أو ضرورة 125
47 في اشتراط الموالاة 127
48 سنن الوضوء 131
49 فيما لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل 138
50 فيما لو شك في الحدث والطهارة بنى على المتيقن 141
51 في تعدد الوضوء ولا يعلم محل المتروك 145
52 في زوال العذر في الوضوء 153
53 حصول الجنابة بانزال المني 156
54 حصول الجنابة بمواراة الحشفة أو قدرها من المقطوع 160
55 حكم من لو وجد المني على ثوبه 162
56 فيما يحرم في حال الجنابة 164
57 في كيفية الغسل 168
58 في مستحبات الغسل 176
59 هل يكفى المسح كالدهن أم تجب الإفاضة 177
60 حكم ما لو أحدث في أثناء الغسل 179
61 درس: في الماء المطلق في اختلاط الماء الطاهر بالنجس وهي أربعة أقسام باعتبار اختلاف احكامها 185
62 أولا: الراكد دون الكر 185
63 ثانيا: في الماء الراكد الكثير 196
64 وثالثا: في الماء الجاري نابعا 205
65 في حكم ماء الغيث النازل كالنابع 211
66 رابعا: ماء البئر 215
67 في كيفية طهارة ماء البئر إذا وقع فيه شئ 220
68 فيما لو تغير ماء البئر 238
69 فيما لو اتصل ماء البئر بماء جارى طهرت 241
70 فيما إذا غارت البئر ثم عادت 244
71 في استحباب تباعد البئر عن البالوعة 246
72 في طهورية الماء المستعمل في الوضوء 247
73 طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء 252
74 في حكم الماء المستعمل في إزالة النجاسات 254
75 الماء المضاف لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا 259
76 في طهارة الخمر بالخلية والمرق المتنجس بقليل الدم بالغليان 262
77 فيما لو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما 264
78 كراهة سؤر الجلال وآكل الجيف مع الخلو عن النجاسة 268
79 في سؤر غير مأكول اللحم 270
80 حرمة استعمال الماء النجس والمشتبه به في الطهارة 281
81 فيما إذا صلى بالمشتبه أعاد الصلاة في الوقت وخارجه 288
82 لا يشترط في التيمم عند اشتباه الانية اهراقها 292
83 حكم النجاسات وهي عشر البول والغائط 293
84 المني والدم من ذي النفس السائلة 301
85 الميتة من ذي النفس السائلة 309
86 الكلب والخنزير ولعابهما 321
87 المسكرات 326
88 تذنيب في استدلال العلامة على طهارة الخمر وجوابه 333
89 في حكم الفقاع 336