الله بالعمل لان الثواب لما كان من عند الله فمبتغيه مبتغ لوجه الله نعم قصد الطاعة التي هي موافقة الإرادة أولى لأنه وصول بغير واسطة ولو قصد المكلف في تقربه الطاعة لله أو ابتغاء وجه الله كان كافيا ويكفي عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية كل مقصد انتهى ومراده بالآي مثل قوله تعالى ويدعوننا رغبا ورهبا وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون أي راجين الفلاح أو لكي تفلحوا والفلاح هو الفوز بالثواب قاله الطبرسي (ره) وقال بعض هو الفوز بالأمنية وقوله تعالى قد أفلح المؤمنون وقوله تعالى إلا أنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته بعد قوله تعالى ويتخذ ما ينفق قربات عند الله كما ذكره في الذكرى ولا يخفي أن دلالة الآيات المذكورة وأن لم يتم على المراد سيما بعضها لكنها مما يصلح للتأييد وكذا الحال في الترغيبات والترهيبات ويمكن الاستدلال عليه أيضا بما روى عنهم (عليهم السلام) في الصحيح عن من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه وكذا ما رواه أصول الكافي في باب العبادة في الحسن بن إبراهيم بن هاشم ظاهرا عن هارون بن خارجه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال العبادة ثلاثة قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة وأيضا تخليص القصد عن النظر إلى الثواب والعقاب أمر مشكل جدا يحتاج إلى مجاهدات عظيمة ورياضات شاقة فتكليف عامة الناس به لا يناسب الشريعة السمحة السهلة هذا كله مع أنك قد عرفت أن الدلايل التي استدلوا بها على وجوب القربة إنما يدل على تقدير تمامها على وجوب الاخلاص الذي هو اما البراءة من الشرك أو الريا ولا يدل على أزيد من ذلك وليس ما يدل على وجوب القربة حتى ينظر في معناها وعلى تقدير وجوده أيضا لما حصل الشك في المعنى القربة فإما يحكم بوجوب القدر المتيقن كما مر غير مرة خصوصا مع وجود المعارضات والاجماع الذي نقلوا على وجوبها أيضا على تقدير تحققه ليس بموجود في المعنى الأول فعلى هذا الظاهر صحة المعنى الثاني أيضا وعدم بطلان العبادة به بل لا يبعد القول بصحة العبادة لطلب الاغراض الدنيوية المباحة أيضا عن جنابه سبحانه كما نبه عليه ما ورد أن صلاة الليل تزيد في الرزق والصدقة ترد البلاء وصلة الرحم تنسي الاجل فإن قلت ما تقول في الاتيان بالعبادة لأجل حسنها في الواقع لا لأنها أمر بها سبحانه ولا لطلب ثواب وخوف عقاب منه أو القرب إليه أو لحبه أو نحو ذلك مما ينظر فيه إلى وجه لله تعالى قلت الظاهر على ما ذكرنا من عدم دليل على الزايد من وجوب نفي الشرك أو الرياء صحة تلك العبادة وكذا الظاهر من كلام المتكلمين لكن لم نقف فيه على نص من الأصحاب وأنه على طريقتهم من وجوب القربة وابتغاء وجه الله تعالى ما يقولون في مثل هذا لكن لا يذهب عليك أن ما ذكر من الفرض يحتمل وجهين الأول أن يكون الفاعل مستشعرا بأنها عبادة وطاعة لله تعالى ويفعله الاجل حسنها في الواقع وحينئذ الظاهر أنها على طريقة القوم أيضا صحيحة وداخله تحت ابتغاء وجه الله بل هي في أعلى مراتب العبادة وأولى مما يكون لقصد الثواب والخوف من العقاب والثاني أن لا يكون مستشعرا بذلك بل قد حصل له العلم أما من العقل والشرع بأن لوضوء مثلا حسن وانما يفعله لأجل حسنه وحينئذ فيه إشكال على طريقة القوم ولا يخفى عليك أنه يمكن الاستدلال على وجوب القربة بالمعنى الذي ذكر بقوله (عليه السلام) إنما لامرئ ما نوى فتأمل هذا وبما ذكرنا من أن أحد إجزاء النية التي ذكرها الأصحاب إنما هو القربة بالمعنى الذي ذكروا لا شك أنها أمر مشكل سيما إذا كانت بالمعنى الأول فإنه في نهاية الصعوبة وليست هي مجرد القصد إلى الفعل ظهر حال ما قاله بعض الفضلاء في تسهيل أمر النية واستحسنه بعض من أنه كلف الله الصلاة وغيرها من العبادات بغير نية كان تكليف ما لا يطاق لان هذا إنما يكون له وجه صحة لو كان المراد من النية مجرد القصد إلى الفعل وأما عدم تعرض القدماء لأمرها فكأنه لأجل أن وجوب ما سوى قصد الفعل والقربة من الزيادات التي ذكرها المتأخرون وكذا بعض الشرايط كالمقارنة والاحكام التي يتفرع على هذه الأمور ليست بثابتة كما سنذكره إنشاء الله تعالى والامر الأول من هذين في غاية السهولة و الأمر الثاني قد أغناهم كثرة الآيات والروايات الواردة فيه عن التعرض له والله تعالى اعلم بحقايق الأمور وأما قصد الوجوب فقد اختلف القوم فيه فالشيخ (ره) في النهاية وظاهر المبسوط والمحقق في المعتبر على عدم وجوبه والعلامة في جملة من كتبه والمحقق في الشرايع وابن إدريس على وجوبه والأول أظهر لنا أصل البراءة وصدق الامتثال مع عدم المخرج عن الأصل كما سيظهر من جواب دليل المخالفين ويؤيده أيضا أمرهم (عليهم السلام) بالواجبات والمندوبات بطريق واحد من غير تعرض الموجوب أو الندب ولو كان قصد الوجوب أو الندب شرطا لما كان كذلك واحتج المخالفون بوجهين الأول أن الامتثال في العبادة إنما يتحقق بإيقاعها على الوجه المطلوب ولا يتحقق ذلك الوجه في الفعل المأتي به إلا بالنية بدليل إنما لكل امرئ ما نوى الثاني أن الفعل لما جاز وقوعه تارة على وجه الوجوب وأخرى على الندب فاشترط تخصيصه بأحدهما حيث يكون ذلك هو المطلوب و التخصيص لا يحصل إلا بالنية وفي الوجهين نظر أما الأول فلانه أن أريد بإيقاعها على الوجه المطلوب إيقاعها بشرائطها وأركانها المعتبرة فيها شرعا فمسلم لكن لا نسلم أن من جملتها قصد الوجوب أو الندب وإن أريد به إيقاعها عل قصد وجهه الذي هو الوجوب أو الندب كان مصادرة محضة فإن قلت المراد الأول لكن لا ندعي أن من جملة وجوهها قصد الوجوب أو الندب حتى يكون في معرض المنع بل ندعي أن من جملتها الوجوب أو الندب وهو لا يقبل المنع إذ لا شك أن امتثال الامر الواجبي إنما يكون بالاتيان بالفعل الواجب دون الندب وكذا الحال في الندب وهذا الوجه لا يحصل في الفعل إلا بالنية إذ بدون النية يحتمل
(٨٩)