لا يجوز أن يكون فعل ذلك لغير غرض لأنه عبث، ولا لغرض هو الاغراء بالقبيح لقبح ذلك، فلم يبق إلا أن يكون الغرض فيه التعريض فيه للثواب، بأن يفعل الواجب ويمتنع من القبيح، فلا بد من كونه مريدا لهذا الوجه دون غيره، وإلا لم يتخصص ما فعله لهذا الغرض دون غيره مع احتماله للكل.
ورابعها: أنه تعالى لو لم يقصد بإيلام أهل النار والعقاب المستحق، لكان ظالما.
وكذلك ما فعله بأهل الجنة من الثواب لا بد أن يقصد به فعل المستحق عليه منه، لأنه لا يكون مختصا بهذه الوجه (1) مع احتماله لغيره إلا بمخصص.
وما يرد على هذين الدليلين الأخيرين ويعترض به عليهما يأتي في الكلام على ما جري في أثناء المسائل الواردة. ونعود إلى تصفح ما في المسألة:
أما الالزام لنا أن يكون خلقه لنا لينفعنا بالثواب لا يقتضي الإرادة، بل يكفي فيه الداعي إلى ذلك. فهو غير صحيح، لأنا قبل كل شئ لا نقول أن خلقه تعالى لنا لينفعنا، إنما كان بهذه الصفة لأجل أنه تعالى يريد منا الطاعة التي نستحق بها الثواب، لأنه تعالى في ابتداء خلقه للمكلف وقبل أن يكمل، قد خلقه لهذا الوجه، وهو في تلك الحال ما كلفه للطاعة ولا أرادها منه، فلا بد من أمر يقتضي توجه هذا الخلق إلى هذه الجهة التي عيناها من بين سائر الجهات التي يحتمل الخلق له يكون مخلوقا لها، وليس ذلك إلا إرادته تعالى كونه خلقا لهذا الوجه دون ما عداه من الوجوه.
لأن الإرادة عندنا تتعلق بالمرادات على وجوه مختلفة، وليست خارجة (2) في التعلق مجرى القدرة، بل تجري مجرى الاعتقادات. ولهذا تختلف الإرادتان