وصار خالقا لهذا الداعي من غير إرادة لصاحب (1) الخلق ويؤثر فيه. وكيف يجوز أن يؤثر في فعل الحادث؟ حتى يجعله على بعض الوجوه أمر متقدم بل قديم، لأن الله تعالى عالم فيما لم يزل بحسن الاحسان. وإذا كان هذا الداعي هو المؤثر في أن خلقنا إنما هو الاحسان فقد أثر الأمر المتقدم في حال متجددة وهذا محال.
ثم يلزم على هذا أن لو خلقنا الله تعالى وأراد مضرتنا، أن يكون خالقا لنا للانتفاع بالثواب، لأن الداعي إذا كان هو المؤثر في وقوع الفعل على الوجه الذي وقع عليه ولا يحتاج إلى إرادة، فلا فرق بين انتفاعها ووجودها غير مطابقة للداعي.
ويلزم على هذا أن يكون لأحدنا إذا كان عالما بحسن الاحسان إلى زيد - وهو داع قوي إلى نفعه والاحسان إليه - أن يكون متى أعطاه درهما ولم يقصد لهذه العطية إلى الاحسان، أن يكون محسنا إليه، لأن داعي الاحسان حاصل، وهو المؤثر على ما ظنه مخالفونا . ويلزم أيضا أن لو قصد بإعطائه الدرهم غير وجه الاحسان من باقي الوجوه وهي كثيرة، أن يكون محسنا بذلك، لأن داعي الاحسان وهو المؤثر ثابت وهذا حد لا يبلغه محصل.
فإن قيل: فهو لا يعطيه الدرهم على وجه غير الاحسان الابداع له إليه وهو المؤثر في عطيته.
قلنا: إذا كان هناك داعيان مختلفان، فلم صارت هذه العطية المؤثر فيها أحدهما دون الآخر، وكل الداعيين (2) مؤثر على هذا القول، كان في وقوع الفعل على وجه دون آخر.