المشار إليها ما نصه (أنظر ص ٣٠٠ - ٣٠١ من طبعة أمين الضرب):
" ومنها أنه وضع الخراج على أرض السواد ولم يعط أرباب الخمس منها خمسهم وجعلها موقوفة على كافة المسلمين وقد اعترف بجميع ذلك المخالفون وقد صرح بها ابن أبي الحديد وغيره وكل ذلك مخالف للكتاب والسنة وبدعة في الدين وقال العلامة (ره) في منتهى المطلب:
أرض السواد هي الأرض المفتوحة من الفرس التي فتحها عمر بن الخطاب وهي سواد العراق وحده في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرق القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب ومن تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة، فأما الغربي الذي يليه البصرة فإسلامي مثل شط عثمان بن أبي العاص وما والاها كانت سباخا " ومواتا " فأحياها ابن أبي العاص، وسميت هذه الأرض سوادا " لأن الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف أشجارها فسموها السواد لذلك، وهذه الأرض فتحت عنوة فتحها عمر بن الخطاب ثم بعث إليها بعد فتحه ثلاث أنفس، عمار ابن ياسر على صلاتهم أميرا، وابن مسعود قاضيا ووليا على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض، وفرض لهم في كل يوم شاة شطرها مع السواقط لعمار وشطرها للآخرين، ومسح عثمان بن حنيف أرض الخراج واختلفوا في مبلغها، فقال الساجي: اثنان وثلاثون ألف ألف جريب، وقال أبو عبيدة: ستة وثلاثون ألف ألف جريب، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم، وعلى الكرم ثمانية دراهم، وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم، وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين ثم كتب بذلك إلى عمر فأمضاه. وروى أن ارتفاعها كان في عهد عمر مائة وستين ألف ألف درهم فلما كان زمن الحجاج رجع إلى - ثمانية عشر ألف ألف درهم، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رجع إلى ثلاثين ألف ألف درهم في أول سنة، وفي الثانية بلغ ستين ألف ألف درهم، فقال: لو عشت سنة أخرى لرددتها إلى ما كان في أيام عمر فمات في تلك السنة. فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين أمضى ذلك لأنه لم يمكنه أن يخالف ويحكم بما يجب عنده فيه.
قال الشيخ (ره): والذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها من بلاد خرج ويخرج خمسها لأرباب الخمس وأربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة، الغانمون وغيرهم سواء في ذلك ويكون للإمام النظر فيها ويقبلها ويضمنها بما شاء ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما ينوبهم من سد الثغور وتقوية المجاهدين وبناء القناطر وغير ذلك من المصالح وليس للغانمين في هذه الأرضين على وجه التخصيص شئ بل هم والمسلمون فيه سواء ولا يصح بيع شئ من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تملكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه، ولا يصح أن يبنى دورا ومنازل ومساجد ومسقايات، ولا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع الملك، ومتى فعل شئ من ذلك كان التصرف باطلا هو باق على الأصل.
ثم قال (ره): وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن كل عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصة تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول صلى الله عليه وآله إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنين (ع) إن صح شئ من ذلك للإمام خاصة وتكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره. (انتهى كلامه رفع الله مقامه).
أقول: فالبدعة فيها من وجوه:
أحدها - منع أرباب الخمس حقهم وهو مخالف لصريح آية الخمس وللسنة أيضا حيث ذكر ابن أبي الحديد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قسم خيبر وصيرها غنيمة وأخرج خمسها لأهل الخمس وكان الباعث على ذلك إضعاف جانب بني هاشم والحذر من أن يميل الناس إليهم لنيل الحطام فتنتقل إليهم الخلافة فينهدم ما أسسوه يوم السقيفة وشيدوه بكتابة الصحيفة.
وثانيها - منع الغانمين بعض حقوقهم من أرض الخراج وجعلها موقوفة على مصالح المسلمين وهذا الزامي عليهم لما اعترفوا به من أن رسول الله صلى الله عليه وآله قسم الأرض المفتوحة عنوة بين الغانمين وبه أفتى الشافعي وأنس بن مالك والزبير وبلال كما ذكره المخالفون وما ذكروه من أنه عوض الغانمين ووقفها فهو دعوى بلا ثبت بل يظهر من كلام الأكثر خلافه كما يستفاد من كلام ابن أبي الحديد وغيره.
وثالثها - أن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله في الأراضي المفتوحة عنوة كانت أخذ حصته (ع) من غلتها دون الدراهم المعينة وسيأتي بعض القول في ذلك في باب العلة التي لم يغير - عليه السلام - بعض البدع في زمانه ".
أقول: يريد بالباب المشار إليه الباب الذي ذكره في أواخر ذلك المجلد أعني ثامن البحار وعنونه بقوله: " باب علة عدم تغيير أمير المؤمنين (ع) بعض البدع في زمانه (أنظر ص 704 - 706 من طبعة أمين الضرب) فمن أراد أن يلاحظ ما ذكره المجلسي (ره) في الباب المذكور فليراجعه فإن المقام لا يسع أكثر من ذلك ولولا أن فهم متن الكتاب اقتضى نقل هذا المقدار لما نقلته أيضا ".
ثم ليعلم أن من أراد أن يلاحظ ما ذكره الطبري في تاريخه في بيان هذا المطلب فليراجع ما ذكره في أواخر ما وقع من القضايا التاريخية في السنة الرابعة عشر من الهجرة تحت عنوان " ذكر أهل السواد " (أنظر الجزء الثالث من الطبعة الأولى ص 143 - 148).