ثم روى بعضكم على النبي - صلى الله عليه وآله - أن كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام ثم رويتم عن عمر أنه ضرب ابنه الحد في شرب المسكر 1
١ - هذه القضية رواها جمهور المؤرخين وأرباب السير لكن مع اختلاف في بعض خصوصياتها فقال الطبري في تاريخه ضمن ذكره حوادث السنة الرابعة عشر ما نصه:
" وفيها أعني سنة أربعة عشر ضرب عمر ابنه عبيد الله وأصحابه في شراب شربوه وأبا محجن " ونقل العبارة بعينها ابن الأثير في تاريخه ضمن حوادث السنة المشار إليها وقال ابن كثير في البداية والنهاية ضمن حوادث سنة ١٤: " وفي هذه السنة ضربعمر بن الخطاب ابنه عبيد الله في الشراب هو وجماعة معه " وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد تحت عنوان " من حد في شرب الخمر وشهر بها " (ج ٤، ص ٣٤١ من طبعة مصر سنة ١٣٥٤): " ومنهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب، شرب بمصر فحده هناك عمرو بن العاص سرا " فلما قدم على عمر جلده حدا آخر علانية " وحذا حذوهم جماعة يطول ذكر أساميهم.
وصرح جماعة من العلماء بأن المحدود من ولد عمر أبو شحمة عبد الرحمن بن عمر فلنشر إلى كلمات بعضهم فقال ابن عبد البر في الإستيعاب:
" عبد الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شحمة وهو الذي ضربهعمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى المدينة فضربه أبوه أدب الوالد ثم مرض ومات بعد شهر هكذا يرويه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه وأما أهل العراق فيقولون: إنه مات تحت سياط عمر وذلك غلط وقال الزبير: أقام عليه عمر حد الشرب فمرض ومات " وذكر مثله ابن الأثير في أسد الغابة ونقل ابن حجر في الإصابة كلام ابن عبد البر وصححه وقواه (أنظر ج ٣، ص ٧٥) وقال المسعودي في مروج الذهب عند ذكره ولد عمر: " وعبد الرحمن الأصغر وهو المحدود في الشراب وهو المعروف بأبي شحمة " وقال ابن قتيبة في المعارف عند ذكره أولاد عمر " وأما أبو شحمة بن عمر بن الخطاب فضربه عمر الحد في الشراب و في أمر آخر فمات ولا عقب له " أقول: الأمر الآخر المذكور في كلام ابن قتيبة هو الزنا كما صرح به الديار بكري في تاريخ الخميس عند ذكره أولاد عمر و ذكر القصة مبسوطة ومفصلة (أنظر ص 252 و 253 من الجزء الثاني من النسخة المطبوعة بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1283) وكذا أوردها الشبلنجي في نور الأبصار و كلاهما نقلاها عن الرياض النضرة لمحب الدين الطبري وهي مذكورة في الرياض في ج 2 ص 32 كما أشار إليها الأميني (ره) في سادس الغدير (ص 317) وذكر الخطيب البغدادي القصة ناسبا " إياها إلى عبد الرحمن بن عمر في تاريخ بغداد (ج 5، ص 455 - 456) وأورد القصة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عند ذكره أفعالا تدل على محاسن سياسة عمر (انظر أواسط الجزء الثاني عشر المنطبق على ص 123 من المجلد الثالث المطبوع بمصر سنة 1329) إلى غير ذلك ممن ذكر نظير كلامهم وقال الدميري في حياة الحيوان في باب الدال المهملة عند البحث عن الديك تحت عنوان " فائدة " ترجع إلى ذكر شئ من أحوال عمر ما نصه (وكان أي عمر قد حد ابنه عبيد الله على شراب فقال له وهو يحده: قتلتني يا أبتاه فقال له: يا بني إذا لقيت ربك فأخبره أن أباك يقيم الحدود، والذي في السير أن المحدود في الشراب ابنه الأوسط أبو شحمة واسمه عبد الرحمن وأمه أم ولد يقال لها لهيبة " وصرح الزبيدي في تاج العروس في شرح هذه العبارة من القاموس: " وأبو شحمة عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما " بأنه الذي جلده أبوه.
أقول: قد علم مما ذكرنا وجود الخلاف في المحدود من ابني عمر وهما عبيد الله و عبد الرحمن فلا حاجة بنا إلى الإطالة إلا أن محمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة 245 سحر في كتابه المنمق بأن كليهما قد حدا ونص عبارته في الكتاب المذكور تحت عنوان " أسماء من حد من قريش " ضمن من ذكر (أنظر ص 496 من طبعة الكتاب بحيدر آباد): " وحد عمر أيضا ابنه أبا شحمة بن عمر وكان زنى بربيبة لعمر فضربه حدا فقال له وهو يضربه: يا أبتاه قتلتني فقال له عمر: يا بني إذا لقيت ربك فأعلمه أن أباك يقيم الحدود، وحد عمر أيضا " ابنه عبيد الله المقتول بصفين في الخمر فحلف عبيد الله بعد ذلك أن لا يأكل عنبا " ولا شيئا " يخرج من العنب، ولا تمرا " ولا شيئا " يخرج من التمر " فيستفاد منه صريحا " أن المحدود بسبب الزنا هو أبو شحمة والمحدود بسبب الخمر هو عبيد الله.
فليعلم أن الخوض في هذا المطلب يقتضي تأليف كتاب فمن أراد البسط في ذلك فليخض فيه فإن المقام لا يسع أكثر من ذلك إلا أن الإشارة إلى أمر من المهم هنا وهو أن الأميني (ره) قد عنون هذه القضية في المجلد السادس من كتاب الغدير واعترض على فعل خليفة هذا بأنه لم يكن له أن يحد ابنه بعد ما حده عمرو بن العاص بمصر فمن أراده فليراجع الكتاب المذكور (ج 6، ص 316 - 320 من الطبعة الثانية) وقد صرح في الكتاب المذكور بأن البيهقي أوردها في السنن الكبرى (ج 8 ص 312) وابن الجوزي في سيرة عمر (ص 170) وفي ط ص 207 والقسطلاني في إرشاد الساري ج 9، ص 439 وصححه.
وممن اعترض على كيفية عمل الخليفة في هذا المورد السيد مرتضى الرازي في تبصرة العوام فإنه ذكر في الباب الثالث والعشرين الذي عقده لتزييف أحاديث نقلتها العامة في كتبهم ضمن البحث عن الحديث الثالث عشر ونص عبارته هكذا " حديث سيزدهم - گويند: شيطان در زمان عمر خلق را بفواحش نخواند (فخاض في تزييفه وبيان وجه بطلانه إلى أن قال) وشيعه عمر روايت كنند كه ابو شحمة پسر عمر بر زن يهودية عاشق شد وخمر خورد وبا او فساد كرد وعمر او را حد زد وچون نود ونه دره بزد پسرش بمرد ودر موت او تازيانه ديگر بزد تا صد تمام شد. ودر اين حكايت سه مثال است كه در حق عمر پيدا كرده اند اول آنكه شك نيست كه پسر بپدر نزديكتر از احباست چون شيطان در فساد كردن از عمر ترسيدى چگونه جانب او فروگذاشت وپسرش را اضلال كرد دوم آنكه أبو شحمة را دو حد واجب بود يكى حد خمر وديگر حد زنا وعمر يك حد براى او تعيين كرده وآن دو را داخل يكديگر ساخت واين جهل است زيرا كه حد خمر جدا زنند وتداخلشان روا نباشد وسوم آنكه گويند: بعد از مرگ پسر تازيانه ديگر بزد، واين نسبت جهل است بعمر زيرا كه حدود از تكليف شرعي است وچون مرگ آمد تكليف منقطع شد وبعد از رفع تكليف اقامه حدود جهل است.
أقول: قد تصدى صاحب كتاب الإستغاثة لتزييف الرواية المشار إليها وهي: " روايتهم أن الشيطان كان لا يأمر بالمعاصي أيام عمر " (أنظر ص 149 - 150).