الإيضاح - الفضل بن شاذان الأزدي - الصفحة ٢٦٩
وأنتم تروون عن عمر أنه جعل دية أهل الذمة ثمانمائة 1 ثم أنتم تحكمون في عبد قيمته عشرون ألفا " إذا قتله مسلم أخذ من القاتل ديته مثل قيمته وهي فضل على دية الحر المسلم وإن كانت دية العبد مائة ألف أخذ القاتل بها وإن كان القاتل قرشيا " هاشميا " فدية العبد أكثر من ديته.
ثم روايتكم على النبي - صلى الله عليه وآله - أنه شرب المسكر وأمر بشربه وأنه رفع إليه إناء من شراب فقربه من فيه فقطب منه فدعا بماء فصبه عليه وشربه ثم قال: إذا رابتكم أشربتكم فاكسروها بالماء 2.

١ - كذا في ح لكن في سائر النسخ: " ثمانمائة ثمانمائة " مكررة.
٢ - يظهر أن أمثال هذه الروايات إنما هي من دس الوضاعين وافتراء المختلقين نظير ما تقدم من حديث خلق الله تعالى نفسه من عرق الخيل (أنظر ص ١١ و ١٢ من الكتاب الحاضر) وإلا فكيف يمكن أن يتفوه مسلم بأمثال هذه الأباطيل فضلا عن أن يرويها ويصدقها، على أنا لم نظفر بهذا فيما بأيدينا من المراجع فكأن المصنف رضوان الله عليه - قد أخذه من بعض ما كان بيده من المآخذ.
ثم لا يخفى عليك أني أظن ظنا " قويا " أن عبارة المتن كانت منسوبة إلى عمر فاشتبه الأمر على المصنف (ره) أو على صاحب المأخذ الذي أخذها المصنف (ره) منه فإن نظير العبارة منقولة منه ومذكورة في حقه في كتب أهل السنة والجماعة فلا بأس بالإشارة إلى شئ من موارد نقلها.
قال الأميني (ره) في الجزء السادس من كتاب الغدير ضمن بحث طويل تحت عنوان " اجتهاد الخليفة في الخمر وآياتها " ما نصه (ص ٢٥٧ - ٢٥٨ من الطبعة الثانية):
" ولاعتياده بها منذ مدة غير قصيرة إلى نزول آية المائدة في حجة الوداع طفق يشرب النبيذ الشديد بعد نزول ذلك الوعيد وبعد قوله: انتهينا انتهينا وكان يقول: إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء (السنن الكبرى ج ٨، ص ٢٩٩، محاضرات الراغب ج ١، ص ٣١٩، كنز العمال ج ٢، ص ١٠٩ نقلا عن عن ابن أبي شيبة).
وقال: إن رجل معجار البطن أو مسعار البطن وأشرب هذا النبيذ الشديد فيسهل بطني (أخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال ج ٣، ص ١٠٩).
وقال: لا يقطع لحوم هذه الإبل في بطوننا إلا النبيذ الشديد (جامع مسانيد أبي حنيفة ج ٢، ص ١٩٠، ٢١٥).
م - وكان يشرب النبيذ الشديد إلى آخر نفس لفظه قال عمرو بن ميمون: شهدت عمر حين طعن أتي بنبيذ شديد فشربه (طب ٦ ص ١٥٦).
وكان حدة شرابه وشدته بحيث لو شرب غيره منه لسكر، وكان يقيم عليه الحد غير أن الخليفة كان لم يتأثر منه لاعتياده، أو كان يكسره ويشربه، قال الشعبي: شرب أعرابي من إداوة عمر فأغشي فحده عمر ثم قال: وإنما حده للسكر لا للشرب (العقد الفريد ج ٣، ص ٤١٦).
وفي لفظ الجصاص في أحكام القرآن (ج ٢ ص ٥٦٥) أن أعرابيا " شرب من شراب عمر فجلده عمر الحد فقال الأعرابي: إنما شربت من شرابك فدعا عمر شرابه فكسره بالماء ثم شرب منه وقال: من رابه [من] شرابه شئ فليكسره بالماء ثم قال الجصاص:
ورواه إبراهيم النخعي عن عمر نحوه وقال فيه: إنه شرب منه بعدما ضرب الأعرابي.
وفي جامع مسانيد أبي حنيفة (ج ٢ ص ١٩٢) قال: هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه وكان يحب الشراب الشديد. وعن أبي جريج أن رجلا عب في شراب نبذ لعمر بن الخطاب بطريق المدينة فسكر فتركه عمر حتى أفاق فحده ثم أوجعه عمر بالماء فشرب منه (حاشية سنن البيهقي لابن التركماني ج ٨، ص ٣٠٦، كنز العمال ج ٣، ص 110) وعن أبي رافع: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء (أخرجه النسائي في سننه ج 8، ص 326) وعده مما احتج به من أباح شرب المسكر ".
وقال الحاكم في المستدرك في كتاب معرفة الصحابة تحت عنوان " ذكر الروايات الصحيحة عن الصحابة - رضي الله عنهم - بإجماعهم في مخاطبتهم إياه بيا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وآله " ما نصه (ج 3، ص 82):
" وأخبرنا أبو بكر، أنا أبو المثنى، ثنا مسدد، ثنا أبو الأحوص، ثنا مسلم الأعور، عن أبي وائل قال: غزوت مع عمر - رضي الله عنه - الشام فنزلنا منزلا فجاء دهقان يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه فلما رأى الدهقان عمر سجد فقال عمر: ما هذا السجود؟ - فقال:
هكذا نفعل بالملوك فقال عمر: اسجد لربك الذي خلقك، فقال: يا أمير المؤمنين إلى قد صنعت لك طعاما " فأتني قال: فقال عمر: هل في بيتك من تصاوير العجم؟ قال: نعم قال: لا حاجة لنا في بيتك ولكن انطلق فابعث لنابلون من الطعام ولا تزدنا عليه قال:
فانطلق فبعث إليه بطعام فأكل منه ثم قال عمر لغلامه: هل في إداوتك شئ من ذلك النبيذ؟ قال: نعم، قال: فابعث لنا فأتاه فصبه في إناء ثم شمه فوجده منكر الريح فصب عليه ماء ثم شمه فوجده منكر الريح فصب عليه الماء ثلاث مرات ثم شربه ثم قال: إذا رابكم من شرابكم شئ فافعلوا به هكذا، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله يقول: لا تلبسوا الديباج والحرير ولا تشربوا في آنية الفضة والذهب فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة، صحيح الإسناد ولم يخرجاه ".
أقول: من أراد الخوض في ذلك فليراجع المفصلات فإن المقام لا يسع أكثر من ذلك مضافا " إلى أني لا أحب البحث عنه ولولا أن بيان ما في المتن وتوضيحه كان يستدعي ذلك المقدار لما تكلمت فيه بشئ فضلا عن ذلك المقدار.
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 267 268 269 270 272 273 274 275 ... » »»
الفهرست