أقول: أما الأول - أي وجوب البناء على طبق البينة بالنسبة إلى من قامت البينة عنده - فمما لا إشكال فيه أصلا وذلك لان دليل اعتبار البينة يخرجه عن كونه شاكا تعبدا ويجعله عالما وحافظا.
وهذا معنى حكومة البينة على الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الشاك فالشاك بعد قيام البينة عنده على تعيين عدد ليس بشاك في عالم التشريع بل يكون عالما وحافظا للعدد فيجب البناء على ما علم بتوسط قيام البينة.
ومما ذكرنا ظهر أنه يجب على الآخر الشاك الرجوع إليه لأنه بواسطة قيام البينة عنده صار حافظا والمفروض أن مفاد الأدلة هو رجوع الشاك منهما إلى الحافظ منهما.
التاسع: أنه بعد الفراغ عن حجية الظن في عدد الركعات إذا قامت بينة عند الظان منهما على خلاف ظنه هل له أن يعمل على طبق البينة ويترك العمل على طبق ظنه أو لا يجوز بل يجب عليه العمل على طبق ظنه أو لا هذا ولا ذاك؟ لأنه من باب تعارض الامارتين كما أنه إذا قامت عنده بينتان مختلفتان إحديهما تقول إن ما بيدك هي الثالثة والأخرى تقول بأنها رابعة فيتساقطان وحينئذ إما يرجع إلى أمارة أخرى إن كانت وإلا يعمل عمل الشاك فيبني على الأكثر؟ وجوه واحتمالات.
ولكن الظاهر منها هو التساقط لأنه حصل عنده أمارتان متعارضتان كان يجب عليه العمل على طبق كل واحد منهما لولا التعارض فيتساقطان بعد عدم إمكان الجمع بينهما وعدم جواز الترجيح بلا مرجح فالنتيجة أنه يبقى على شكه فيعمل عمل الشاك.
هذا فيما إذا كان الذي هو ظان تقوم أمارة عنده على خلاف ظنه.
وأما لو كان أحدهما ظانا والآخر قامت عنده بينة على خلاف ما ظنه صاحبه فليس لكل واحد منهما أن يرجع إلى الآخر بل كل واحد يعمل على طبق الامارة التي عنده لأنه بناء على هذا كلاهما حافظان فلا معنى لوجوب الرجوع إلى الحافظ