وبعبارة أخرى: في باب الدواعي الطولية الداعي الحقيقي والعلة الأصلية للعمل هو الداعي الأول فإنه هو المحرك للفاعل على فعله بحيث لو لم يكن لم يقدم على الفعل أصلا. فان اعترفت هيهنا أيضا بأنه لو لم يكن أجرة في البين لما كان يقدم على هذا العمل فقد اعترفت بعدم تحقق الاخلاص ولعمري هذا واضح جلي اللهم إلا أن يراد بقصد الاخلاص صرف الخطور بالبال، وما أظن أن يلتزم به هذا القائل.
وأما حديث الامر بالمعروف فنقول: في الفرض الذي فرضت إذا كان الداعي على العمل ليس إلا الخوف فهذا العمل لا يقع عبادة البتة وإنما الامر إليه وجب في الواجبات واستحب في المستحبات، إما لأجل أن نفس هذه الصورة محبوبة عند الله تعالى لحكم ومصالح، وإما من جهة أنه يتمرن ويتعود حتى يسهل عليه العمل فيأتي بداعي أمره بعد هذا، كما أنه المعروف من بعض أكابر العلماء في بعض البلاد حيث كان يجبرهم على صلاة الجماعة لأجل أن يتعودوا فيعملوا فيما بعد بداعي أمره.
وأما إتيان العبادة بداعي الأثر الدنيوي المترتب عليه فقياسه على المقام فاسد لان الآثار الدنيوية المترتبة على امتثال الامر قصدها لا ينافي قصد الامر وقصد القربة.
بيان ذلك: أن حقيقة قصد القربة واتيان العمل بقصد الاخلاص معناه إتيانه لمحبوبيته عند الله تعالى، وذلك يحصل بأحد الأمور الثلاثة:
إما أن يكون محركه على الاتيان هو نفس أمره تعالى ولا شك أن هذا المعنى محبوب له تعالى ومثل هذا العمل تعبد له.
وإما أن يكون الداعي له على إيجاد العمل ما هو واقع في سلسلة علل الامر كالمصلحة الموجبة للامر، فلو أوجد العمل بداعي المصلحة التي هي موجبة للامر لكان متقربا لان مثل هذا المعني محبوب له تعالى ولذلك أمر به.
وقد أجيب عما استشكل به البهائي قدس سره - في مبحث الضد من إنكاره الثمرة بأن العبادة باطلة على كل حال، سواء قلنا بالاقتضاء أم لا، لعدم الامر واحتياج العبادة