وأما في المقام فحيث إن المراد من الضرر الضرر الذي ينشأ من قبل الحكم، يمكن رفعه حقيقة بالرفع التشريعي وبرفع منشأه، أي الحكم الذي نشأ من قبله الضرر، فيصح أن يكون المراد نفي الضرر الكذائي من دون تجوز ولا تقدير ولا غير ذلك، فبالدلالة الالتزامية يدل على نفي الحكم الذي يكون سببا للضرر، لا أنه أريد من لفظ الضرر هذا المعنى كي يكون مجازا.
وأما القول الرابع: ففيه أولا: أن الضرر المتدارك منزل منزلة العدم - على فرض صحته وتماميته - يكون ذلك فيما إذا تحقق التدارك في الخارج، لا بصرف حكم الشارع بوجوب التدارك، خصوصا إذا كان حكمه تكليفا لا وضعا، فإذا كان المراد من نفي الضرر نفي غير المتدارك منه، بمعنى أنه كل ضرر يجب تداركه، فالضرر الذي لا يجب تداركه منفي في الإسلام.
فهذه الدعوى مركبة من أمرين:
أحدهما: أن الضرر الذي يجب تداركه نازل منزلة العدم.
وهذا هو الذي أشكلنا عليه بأنه بصرف الحكم الشرعي بوجوب تداركه لا يراه العرف والعقلاء منزلة العدم، خصوصا إذا كان حكمه هذا حكما تكليفيا.
والثاني: أن يكون نفي الضرر غير المتدارك كناية عن وجوب تدارك كل ضرر بجعل الجملة الخبرية بمعنى الإنشائية، أي النهي عن الضرر غير المتدارك، كي يكون هذا النهي كناية عن وجوب تدارك كل ضرر تكليفا بل وضعا.
وفي هذه الدعوى الثانية أنه إذا كان المراد من وجوب تداركه الحكم الوضعي بضمانه، فهذا غير ثابت في الشريعة، وليس الضرر من أسباب الضمان، وقد عدها الفقهاء من الإتلاف واليد والعقود المعاوضية الفاسدة والتغرير وغير ذلك، ولم يذكروا في جملتها الضرر، وإذا كان المراد صرف الوجوب التكليفي، فهذا أيضا غير معلوم في جملة من الموارد، مضافا إلى أنه لا يوجب كونه نازل منزلة العدم، كما ذكرنا، هذا أولا.