أنه عليه السلام كان يصبح متطوعا صائما ثم يفطر، وهذا مباح عندنا لا نكرهه، كما في الخبر، فلما ليكن في الخبر ما ذكرنا، وكان قد صح عنه عليه السلام: (لا صيام لمن لم يبيته من الليل) لم يجز أن نترك هذا اليقين لظن كاذب، ولو أنه عليه الصلاة والسلام أصبح مفطرا ثم نوى الصوم نهارا لبينه، كما بين ذلك في صيام عاشوراء إذ كان فرضا، والتسمح (1) في الدين لا يحل.
فان قيل: قد رويتم من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجئ فيدعو بالطعام فلا يجده فيفرض الصوم).
وروى عن ابن قانع راوي كل بلية! عن موسى بن عبد الرحمن السلمي البلخي عن عمر بن هارون عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح ولم يجمع الصوم (2)، ثم يبدو له فيصوم).
قلنا: ليث ضعيف، ويعقوب بن عطاء هالك، ومن دونه ظلمات بعضها فوق بعض (3)! ووالله لو صح لقلنا به.
قال أبو محمد: أما المالكيون فيشنعون بخلاف الجمهور، وخالفوا ههنا الجمهور بلا رقبة (4).
وأما الحنيفيون فما نعلم أحدا قبلهم أجاز أن يصبح في رمضان عامدا لإرادة الفطر ثم يبقى كذلك إلى قبل زوال الشمس ثم ينوى الصيام حينئذ ويجزئه! وادعوا الاجماع على أنه لا تجزئ النية بعد زوال الشمس في ذلك! وقد كذبوا (5)! ولا مؤنة عليهم من الكذب!.
وقد صح هذا عن حذيفة نصا، وعن ابن مسعود باطلاق، وعن أبي الدرداء، نصا، وعن سيعد بن المسيب نصا، وعن عطاء الخراساني كذلك، وعن الحسن، وعن سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل (6).