لأن العفو مستحب، فقد رغب الشارع فيه. قال الله تعالى * (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) * وروى البيهقي وغيره عن أنس: أن النبي (ص) كان ما رفع إليه قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو (وعلى الأول) وهو أن موجب العمد القود (لو أطلق) الولي (العفو) عن القود ولم يتعرض للدية بنفي أو إثبات (فالمذهب لا دية) لأن القتل لم يوجب الدية على هذا القول، والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم. والثاني تجب لقوله تعالى * (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) * أي اتباع المال وذلك يشعر بوجوبه بالعفو، وأجاب الأول بحمل الآية على ما إذا عفا على الدية. فإن قيل: ما الفرق بين عبارة المصنف وعبارة الروضة، وهي لو عفا عن القود مطلقا إلخ؟ أجيب بأن الفرق بينهما أن هذه قيدت العفو بالاطلاق بخلاف عبارة المصنف فإنها تقتضيه لا بقيد فهي أعم.
تنبيه: محل الخلاف ما إذا أمكن ثبوت المال، فإن لم يمكن كأن قتل أحد عبدي شخص عبده الآخر فللسيد أن يقتص وأن يعفو ولا يثبت له على عبده مال، فإن أعتقه لم يسقط القصاص، فإن عفا السيد بعد العتق مطلقا لم يثبت المال جزما، أو على مال ثبت كما في الروضة وأصلها آخر الباب. ونفي المصنف الدية قد يفهم أنه لو اختار الدية عقب عفوه المطلق لم تجب، والمنقول عن ابن كج وجوبها ويكون اختيارها بعد العفو تنزيلا له منزلة العفو عليها بخلاف ما إذا تراخى اختياره لها عن العفو فلا تجب خلافا لما نقل عن بعض الأصحاب، ولم يفرع المصنف على القول المرجوح لطوله وعدم العمل به. (ولو عفا) الولي على القول الأول (عن الدية لغا) عفوه لأنه عفا عما ليس مستحقا له (وله العفو) عن القصاص (بعده عليها) وإن تراخى لأن اللاغي كالمعدوم (ولو عفا) على القولين عن القود (على غير جنس الدية) أو صالح غيره عليه (ثبت) ذلك الغير أو المصالح عليه، وإن كان أكثر من الدية (إن قبل الجاني) أو المصالح ذلك وسقط عنه القصاص (وإلا) بأن لم يقبل الجاني أو المصالح ذلك (فلا) يثبت لأنه اعتياض فاشترط رضاهما كعوض الخلع (ولا يسقط) عنه (القود في الأصح) لأنه رضي به على عوض ولم يحصل له، وليس كالصلح على عوض فاسد لأن الجاني هناك قبل والتزم. والثاني يسقط لرضاه بالصلح عنه، وعلى هذا هل تثبت الدية؟ قال البغوي: هو كما لو عفا مطلقا وأقراه.
تنبيه: لو عفا عن القود على نصف الدية، قال القاضي حسين: هذه معضلة أسهرت الجلة اه. والجلة - بكسر الجيم وتشديد اللام - الطاعنون في السن قاله الجوهري. وقال غير القاضي: هو كعفو عن القود ونصف الدية، كذا قاله الشيخان. قال في المهمات: وما نقلاه عن غير القاضي صرح به القاضي أيضا فيسقط القود ونصف الدية. (وليس لمحجور فلس) أو نحوه كوارث المديون استحق قصاصا (عفو عن مال إن أوجبنا أحدهما) لا بعينه لأنه ممنوع من التبرع به (وإلا) بأن أوجبنا القود عينا (فإن عفا) من ذكر عنه (على الدية ثبتت) قطعا كغيره (وإن أطلق) العفو (فكما سبق ) من أن المذهب لا دية (وإن عفا) من ذكر (على أن لا مال) أصلا (فالمذهب أنه لا يجب شئ) لأن القتل لم يوجب المال، ولو كلفنا المفلس أن يعفو على مال كان ذلك تكليفا بأن يكتسب وليس عليه الاكتساب، وقيل تجب الدية بناء على أن إطلاق العفو يوجبها.
تنبيه: جرى المصنف هنا على طريقة الخلاف، لكنه في باب التفليس جزم بالصحة، سواء أكان على مال أم لا، حيث قال فيه: ويصح اقتصاصه وإسقاطه، واحترز بمحجور عن المفلس قبل الحجر عليه فإنه كموسر، وبمفلس عن المحجور عليه بسلب عبارته كصبي ومجنون فعفوهما لغو (والمبذر) بمعجمة، حكمه بعد الحجر عليه بالتبذير في