دية، والثاني لا شئ له، لأن الجاني مات سراية بفعل المجني عليه فحصلت المقابلة، ودفع بأن القصاص لا يسبق الجناية فإن ذلك يكون في معنى السلم في القصاص، وهو ممتنع.
تنبيه: لو كان ذلك في قطع يديه مثلا لم يستحق شيئا، لأنه قد استوفى ما يقابل النفس، أو في موضحة وجب تسعة أعشار الدية ونصف عشرها وقد أخذ المجني عليه بقصاص الموضحة نصف العشرة، وقس على ذلك. ثم اعلم أن هذه المسألة الآتية تسمى مسألة الدهشة، وللمخرج فيها أحوال. الحال الأول أن يقصد الإباحة كما نبه على ذلك بقوله:
(ولو قال) مكلف (مستحق) قصاص (يمين) للجاني (أخرجها) أي يمينك (فأخرج) له (يساره) عالما بها وبعدم إجزائها (وقصد إباحتها) فقطعها وهو مكلف حر مستحق قصاص اليمين (فمهدرة) لا قصاص فيها ولا دية، سواء أعلم القاطع أنها اليسار مع ظن الاجزاء أم لا، جعلها عوضا عن اليمين أم لا لأن صاحبها بذلها مجانا وإن لم يتلفظ بالإباحة كما لو قال: ناولني متاعك لألقيه في البحر فناوله فلا يجب ضمانه إذا ألقاه في البحر ويبقى قصاص اليمين إلا إذا مات المبيح أو ظن القاطع الاجزاء أو جعلها عوضا، فإنه يعدل إلى الدية لأن اليسار وقعت هدرا، وخرج بالمكلف المقدر في كلامه المجنون، فإنه إذا أخرج يساره وقطعتها المقتص عالما بالحال وجب عليه القصاص، وإن كان جاهلا وجب عليه الدية. وصورته: أن يجني عاقلا ثم يجن وإلا فالمجنون حالة الجناية لا يجب عليه القصاص، وبالحر المقدر في كلامه أيضا الرقيق فإنه لا تهدر يساره بإباحتها قطعا، وفي سقوط القصاص إذا كان القاطع رقيقا وجهان في الروضة وأصلها في مسائل الاكراه بلا ترجيح، ورجح البلقيني السقوط، وهو الظاهر.
تنبيه: كلام المصنف يشعر بمباشرة المستحق للقطع مع أن الأصح عدم تمكينه من استيفاء القصاص في الطرف كما سبق. وصورها المتولي بما أذن له الإمام في استيفاء القصاص بنفسه. الحال الثاني أن يقصد المخرج جعلها عن اليمين كما نبه على ذلك بقوله: (وإن قال) المخرج بعد قطعها (جعلتها) حالة الاخراج (عن اليمين وظننت إجزاءها) عنها (فكذبه) القاطع في هذا الظن وقال: بل عرفت أنها اليسار وأنها لا تجزئ عن اليمين (فالأصح لا قصاص في اليسار) سواء قال القاطع ظننت أنه أباحها أو أنها اليمين أم علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ، أو قطعها عن اليمين وظننت أنها تجزئ عنها لشبهة بذلها، لأنا أقمنا ذلك مقام إذنه في القطع، وهو لو قال لغيره: اقطع يدي فقطعها لا قصاص عليه (وتجب دية) فيها لأنه لم يبذلها مجانا، والثاني يجب القصاص، وهو في الأولى احتمال للإمام، وعبر في الروضة عن مقابله في الثانية بالمذهب، وفي الثالثة بالأصح، وفي الرابعة في الصحيح.
تنبيه: ما ذكره المصنف في هذه الحال الثاني ليس مطابقا لما في المحرر ولا الروضة وأصلها، وعبارة المحرر ولو قال: قصدت إيقاعها عن اليمين وظننتها تجزئ عنها، وقال القاطع: عرفت أن المخرج اليسار وأنها لا تجزئ فلا قصاص في الأصح، ومراده عرفت - بضم التاء - للمتكلم. فظن المصنف أنها بفتح التاء للخطاب فعبر عنه بالتكذيب.
قال ابن شهبة: وهو غير صحيح لامرين: أحدهما أن هذا ليس موضع تنازعهما، والذي في الروضة وغيرها في هذا القسم كله ظن القاطع أو علمه. الأمر الثاني أنه يقتضي أنه إذا صدقه يجب قصاص اليسار. والذي في الشرح والروضة في هذه الحالة أنه لا قصاص أيضا على الأصح. (ويبقى قصاص اليمين) في الأولى قطعا، وفي الثانية على المذهب، وفي الثالثة على أصح الوجهين، لأنه في الثلاثة لم يستوفه ولا عفا عنه. أما الرابعة فيسقط فيها، ولكل دية ما قطع الآخر، فلو سرى القطع إلى النفس وجب ديتها وتدخل فيها اليسار، قاله في التتمة. الحال الثالث للمخرج أن يقول: دهشت كما نبه على ذلك بقوله (وكذا لو قال) المخرج (دهشت) بضم أوله بخطه.
ويجوز فتحه وكسر ثانيه، من الدهشة وهي الحيرة (فظننتها اليمين) أو قال: ظننته قال اخرج يسارك