مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٥٩
يمت مما ذكر، فإن مات منه وجبت ديته عليهم بالسراية لأن القتل لا يفرق فيه بين الجرح الكبير والصغير. قاله الفارقي في فوائده (والشجاج) الخمس التي (قبل الموضحة) من خارصة ودامية وباضعة ومتلاحمة وسمحاق (إن عرفت نسبتها منها) أي الموضحة بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلا عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق اللحم (وجب قسط من أرشها) بالنسبة، فإن شككنا في قدرها من الموضحة أوجبنا اليقين، هذا ما جرى عليه المصنف تبعا للمحرر، والذي في الروضة وأصلها عن الأصحاب وجوب الأكثر من الحكومة والقسط من الموضحة لأنه وجد سبب كل منهما، فإن استويا وجب أحدهما (وإلا) بأن لم تعرف نسبته منها (فحكومة) لا تبلغ أرش موضحة (كجرح سائر) أي باقي (البدن) كالايضاح والهشم والتنقيل فإن فيه الحكومة فقط لأن أدلة ما مر في الايضاح والهشم والتنقيل لم يشمله لاختصاص أسماء الثلاثة بجراحة الرأس والوجه، وليس غيرهما في معناهما لزيادة الخطر والقبح فيهما وأيضا فأرش نفس العضو لا ينبغي أن ينقص عن أرش الجناية على العضو، وليس في الأنملة الواحدة إلا ثلاثة أبعرة وثلث، فكيف نوجب في إيضاح عظمها خمسا من الإبل؟ (وفي جائفة) وإن صغرت (ثلث دية) لثبوت ذلك في حديث عمرو بن حزم، وهذا كالمستثنى مما قبله إذا لا جرح في البدن يقدر غيرها (وهي جرح ينفذ) بالمعجمة: أي يصل (إلى جوف) فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء كما أشار إلى ذلك بقوله: (كبطن) أي كداخله (و) داخل (صدر، و) داخل (ثغرة نحر) بضم المثلثة وغين معجمة ساكنة، وهي نقرة بين الترقوتين (و) داخل (جبين) بموحدة بعد جيم وهو أحد جانبي الجبهة، وفي بعض نسخ المتن بنون ساكنة بعد جيم تثنية جنب، وبه عبر المحرر والروضة وأصلها والأول أولى، لأن الجنب علم من التمثيل بالبطن (و) داخل (خاصرة) من الخصر: وهو وسط الأسنان ولا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة. وخرج بالجوف المذكور غيره كالفم والأنف والجفن والعين وممر البول إذ لا يعظم فيها الخطر كالأمور المتقدمة ولأنها لا تعد من الأجواف بل فيها حكومة، فلو وصلت الجراحة إلى الفم أو داخل الانف بإيضاح من الوجه أو بكسر قصبة الانف فأرش موضحة في الأولى أو أرش هاشمة في الثانية مع حكومة فيهما للنفوذ إلى الفم والأنف لأنها جناية أخرى، وإن حز بسكين من كتف أو فخذ إلى البطن فأجافه فواجبه أرش جائفة وحكومة لجراحة الكتف أو الفخذ لأنها في غير محل الجائفة، أو حز بها من الصدر إلى البطن أو النحر فأرش جائفة بلا حكومة لأن جميعه محل الجائفة، ولو أجافه حتى لدغ كبده أو طحاله لزمه مع دية الجائفة حكومة في ذلك، ولو كسر ضلعه كانت حكومته معتبرة بنفوذ الجائفة فإن نفذت في غير الضلع لزمه حكومة الدية وإن لم تنفذ إلا بكسره دخلت حكومة كسره في دية الجائفة.
تنبيه: سيأتي أنه لو نفذ الطعن إلى البطن وخرج من الظهر كان ذلك جائفتين، ففيه إطلاق الجائفة على ما خرج من جوف، وإن أوهم كلامه هنا تقييد الجائفة بما دخل الجوف (ولا يختلف أرش موضحة بكبرها) ولا صغرها لاتباع الاسم كالأطراف ولا بكونها بارزة أو مستورة بالشعر.
تنبيه: لا يتقيد ذلك بالموضحة الجائفة كذلك كما مرت الإشارة إليه حتى لو غرز فيه إبرة فوصلت إلى الجوف فهي جائفة، ولهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وهكذا كل ما في الرأس من الشجاج فهو على الأسماء.
واعلم أن الموضحة تتعدد صورة وحكما ومحلا وفاعلا وذكرها المصنف على هذا الترتيب، وبدأ بأولها في قوله (ولو أوضح) الجاني مع اتحاد الحكم (موضعين بينهما لحم وجلد) معا سواء أوضحهما معا أو مرتبا (قيل أو) بينهما (أحدهما) أي لحم فقط أو جلد فقط (فموضحتان) أما في الأولى فلاختلاف الصورة مع قوة الحاجز، وأما في الثانية فوجه القائل بالتعدد وجود حاجز بين الموضعين، والأصح أنها واحدة لأن الجناية أتت على الموضع كله كاستيعابه
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548