مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٣
المذهب، لأن القصاص موجب الاتلاف فيتعجل كقيم المتلفات والتأخير أولى لاحتمال العفو (و) يقتص (في الحرم) لأنه قتل لو وقع في الحرم لم يضمن فلا يمنع منه كقتل الحية والعقرب، وسواء التجأ إليه أم لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح قيل له إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال اقتلوه. وفي الصحيحين إن الحرم لا يعيذ فارا بدم ولان القصاص على الفور فلا يؤخر.
تنبيه: يستثنى من قوله: على الفور ما لو التجأ إلى الكعبة أو المسجد الحرام أو غيره من المساجد كما قاله الإمام أو ملك إنسان فيخرج منه، ويقتل صيانة للمسجد ولأنه يمتنع استعمال ملك الغير بغير إذنه لأن التأخير المذكور يسير.
وظاهر كلام الرافعي أن الاستيفاء في المسجد حرام، وهو كذلك إن خيف التلويث، وإلا فمكروه كما قاله المتولي، وكذا لو التجأ إلى مقابر المسلمين ولم يمكن قتله إلا بإراقة الدم عليها كما قال البلقيني (و) يقتص في (الحر والبرد والمرض) وإن كان مخطرا، وكذا لا يؤخر الجلد في القذف.
تنبيه: شمل إطلاقه قصاص الطرف، وهو ما نقلاه عن قطع الغزالي والبغوي وغيرهما، وما نقل عن نص الام من أنه يؤخر محمول على الندب بخلاف قطع السرقة والجلد في حدود الله تعالى، لأن حقوق الله تعالى مبنية على التخفيف وللمجني عليه أن يقطع الأطراف متوالية ولو فرقت من الجاني لأنها حقوق واجبة في الحال (وتحبس الحامل) عند طلب المستحق حبسها (في قصاص النفس أو الطرف) أو المعنى أو حد القذف كما هو مقتضى كلام ابن المقري (حتى) تضع ولدها و (ترضعه اللبأ) وهو بهمز وقصر اللبن أول الولادة، ولا بد من انقضاء النفاس كما قاله ابن الرفعة (ويستغنى) ولدها (بغيرها) من امرأة أخرى أو بهيمة يحل لبنها (أو فطام حولين) إن فقد ما يستغني الولد به، هذا كالمستثنى من فورية القصاص. أما تأخيرها إلى الوضع في قصاص النفس فبالاجماع كما قاله القاضي أبو الطيب، ولأنه اجتمع فيها حقان: حق الجنين، وحق الولي في التعجيل، ومع الصبر يحصل استيفاء الجنين، فهو أولى من تفويت أحدهما. وأما في قصاص الطرف أو المعنى أو حد القذف فلان في استيفائه قد يحصل إجهاض الجنين وهو متلف له غالبا وهو برئ فلا يهلك بجريمة غيره، ولا فرق بين أن يكون الجنين من حلال أو حرام، ولا بين أن يحدث بعد وجوب العقوبة أو قبلها حتى أن المرتدة لو حملت من الزنا بعد الردة لا تقتل حتى تضع حملها. وأما تأخيرها لارضاع اللبأ فلان الولد لا يعيش إلا به محققا أو غالبا مع أن التأخير يسير. وأما تأخيرها للاستغناء بغيرها فلأجل حياة الولد أيضا فإنه إذا وجب التأخير لوضعه فوجوبه بعد وجوده وتيقن حياته أولى. ويسن صبر الولي بالاستيفاء بعد وجود مرضعات يتناوبنه أو لبن شاة أو نحوه حتى توجد امرأة راتبة مرضعة لئلا يفسد خلقه ونشؤه بالألبان المختلفة ولبن البهيمة، وتجبر المرضعة بالأجرة، فلو وجد مراضع وامتنعن أجبر الحاكم من يرى منهن بالأجرة.
تنبيه: قوله: أو فطام حولين محله إذا تضرر بفطمه قبلهما ولم يتضرر به عندهما، وإلا فعل ما لا يتضرر به من نقص في الأولى مع توافق الأبوين أو رضا السيد في ولد الأمة وزيادة في الثانية، فالتقييد بالحولين كما قال ابن الرفعة نظرا للغالب، وهذا الحبس متعلق بنظر المستحق، فلا يحبسه الحاكم بغير طلب بخلاف الحبس لانتظار الغائب وكمال الصبي والمجنون فإنه متعلق بالحاكم فيحبسه وإن لم يطلب المستحق.
فروع: لو بادر المستحق وقتلها بعد انفصال الولد قبل وجود ما يغنيه فمات لزمه القود فيه كما لو حبس رجلا ببيت ومنعه الطعام حتى مات، فإن قتلها وهي حامل ولم ينفصل حملها أو انفصل سالما ثم مات فلا ضمان عليه لأنه لا يعلم أنه مات بالجناية، فإن انفصل ميتا فالواجب فيه غرة وكفارة أو متألما ثم مات فدية وكفارة لأن الظاهر أن تألمه وموته من موتها والدية والغرة على عاقلته لأن الجنين لا يباشر بالجناية، ولا تتيقن حياته فيكون هلاكه خطأ أو شبه عمد بخلاف الكفارة فإنها في ماله، وإن قتلها الولي بأمر الإمام كان الضمان على الإمام
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548