مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٤
علما بالحمل أو جهلا، أو علم الإمام وحده لأن البحث عليه، وهو الآمر به والمباشر كالآلة لصدور فعله عن رأيه وبحثه، وبهذا فارق المكره حيث يقتص منه، فإن علم الولي دونه فالضمان عليه لاجتماع العلم مع المباشرة، ولو قتلها جلاد الإمام جاهلا فلا ضمان عليه، أو عالما فكالولي يضمن إن علم دون الإمام، وما ضمنه على عاقلته كالولي وإن قال ابن المقري إنه من ماله، فإن علم بالحمل الإمام والجلاد والولي، فالقياس على ما مر كما قاله الأسنوي أن الضمان على الإمام هنا أيضا خلافا لما مر في الروضة من أنها عليهم أثلاثا وحيث ضمنا الإمام الغرة فهي على عاقلته كما قاله الرافعي، وهو قياس ما مر كما قاله الأسنوي خلافا لما في الروضة من أنها في ماله. وليس المراد بالعلم بالحمل حقيقة الحال، بل المراد ظن مؤكد بمخايله، ولو ماتت الام في حد أو نحوه من العقوبة بألم الضرب لم تضمن لأنها تلفت بحد أو عقوبة عليها، وإن ماتت بألم الولادة فهي مضمونة بالدية أو بهما فنصفها واقتصاص الولي منها جاهلا برجوع الإمام عن إذنه له في قتلها كوكيل جهل عزل موكله أو عفوه عن القصاص، وسيأتي. (والصحيح) المنصوص في الام (تصديقها في حملها) إذا أمكن حملها عادة (بغير مخيلة) لقوله تعالى: * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) * أي من حمل أو حيض، ومن حرم عليه كتمان شئ وجب قبوله إذا أظهره كالشهادة، ولقوله (ص): قول الغامدية في ذلك بل قال الزركشي: ينبغي أن يقال بوجوب الاخبار عليها بذلك لحق الجنين، وقد حكى داود وجها فيما إذا لم تخبر به وقتلت أن الضمان يجب على عاقلتها، وهو غريب اه‍. والثاني لا تصدق لأن الأصل عدم الحمل، وهي متهمة بتأخير الواجب فلا بد من بينة تقوم على ظهور مخايله أو إقرار المستحق كما صرح به في الروضة وأصلها. وعلى الأول هل تحلف أو لا؟ رأيان:
أوجههما الأول كما صرح به الماوردي، وجزم به ابن قاضي عجلون في تصحيحه على هذا الكتاب لأن لها غرضا في التأخير. وقال الأسنوي: المتجه الثاني لأن الحق لغيرها وهو الجنين. قال الإمام: ولا أدري الذي يصدقها يقول بالصبر إلى انقضاء مدة الحمل أم إلى ظهور المخايل؟ والأرجح الثاني فإن التأخير أربع سنين من غير ثبت بعيد اه. لا بعد في ذلك، فإن الزوج ما دام يغشاها فاحتمال الحمل موجود وإن زادت المدة على أربع سنين. وقال الدميري: ينبغي أن يمنع الزوج من الوطئ لئلا يقع حمل يمنع استيفاء ولي الدم، أما إذا لم يمكن حملها عادة كآيسة فلا تصدق كما نقله البلقيني عن النص، فإن الحس يكذبها، وخرج بقصاص النفس وما ذكر معه من حدود الله تعالى فلا تحبس لها، ولا تستوفي أيضا مع وجود المرضعة بل ترضعه هي ولا بعد الرضاع حتى يوجد له كافل. (ومن قتل بمحدد) كسيف أو بمثقل كحجر (أو خنق) - بكسر النون - عن الجوهري، وبسكونها عن خاله الفارابي، وتبعه المصنف في تحريره مع تجويز فتح الخاء وكسرها، ومعناه عصر الحلق (أو تجويع ونحوه) كتغريق أو تحريق أو إلقاء من شاهق (اقتص به) أي اقتص الولي بمثله، فإن المماثلة معتبرة في الاستيفاء لقوله تعالى * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * وقوله تعالى * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * وقوله تعالى * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * وفي الصحيحين أن النبي (ص) رض رأس يهودي بين حجرين وكان قد قتل جارية بذلك وروى البيهقي مرفوعا ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه و لأن المقصود من القصاص التشفي، وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل، وحديث النهي عن المثلة محمول على من وجب قتله، لا على وجه المكافأة.
تنبيه: قوله: اقتص به: أي له ذلك، لا أنه يتعين، فلو عدل إلى السيف جاز جزما كما ذكره بعد، وكما تراعى المماثلة في طريق القتل تراعى في الكيفية والمقدار، ففي التجويع يحبس مثل تلك المدة ويمنع الطعام، وفي الالقاء في الماء أو النار يلقى في ماء ونار ومثلهما ويترك تلك المدة وتشد قوائمه عند الالقاء في الماء إن كان يحسن السباحة، وفي الخنق يخنق بمثل تلك المدة، وفي الالقاء من الشاهق يلقى من مثله وتراعى صلابة الموضع، وفي الضرب بالمثقل يراعى الحجم وعدد الضربات، وإذا تعذر الوقوف على قدر الحجر أو النار أو على عدد الضربات أخذ باليقين، وقيل يعدل إلى السيف، هذا إذا عزم على أنه إن لم يمت بذلك قتله، فإن قال فإن لم يمت به عفوت عنه لم يمكن كما قاله
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548