علما بالحمل أو جهلا، أو علم الإمام وحده لأن البحث عليه، وهو الآمر به والمباشر كالآلة لصدور فعله عن رأيه وبحثه، وبهذا فارق المكره حيث يقتص منه، فإن علم الولي دونه فالضمان عليه لاجتماع العلم مع المباشرة، ولو قتلها جلاد الإمام جاهلا فلا ضمان عليه، أو عالما فكالولي يضمن إن علم دون الإمام، وما ضمنه على عاقلته كالولي وإن قال ابن المقري إنه من ماله، فإن علم بالحمل الإمام والجلاد والولي، فالقياس على ما مر كما قاله الأسنوي أن الضمان على الإمام هنا أيضا خلافا لما مر في الروضة من أنها عليهم أثلاثا وحيث ضمنا الإمام الغرة فهي على عاقلته كما قاله الرافعي، وهو قياس ما مر كما قاله الأسنوي خلافا لما في الروضة من أنها في ماله. وليس المراد بالعلم بالحمل حقيقة الحال، بل المراد ظن مؤكد بمخايله، ولو ماتت الام في حد أو نحوه من العقوبة بألم الضرب لم تضمن لأنها تلفت بحد أو عقوبة عليها، وإن ماتت بألم الولادة فهي مضمونة بالدية أو بهما فنصفها واقتصاص الولي منها جاهلا برجوع الإمام عن إذنه له في قتلها كوكيل جهل عزل موكله أو عفوه عن القصاص، وسيأتي. (والصحيح) المنصوص في الام (تصديقها في حملها) إذا أمكن حملها عادة (بغير مخيلة) لقوله تعالى: * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) * أي من حمل أو حيض، ومن حرم عليه كتمان شئ وجب قبوله إذا أظهره كالشهادة، ولقوله (ص): قول الغامدية في ذلك بل قال الزركشي: ينبغي أن يقال بوجوب الاخبار عليها بذلك لحق الجنين، وقد حكى داود وجها فيما إذا لم تخبر به وقتلت أن الضمان يجب على عاقلتها، وهو غريب اه. والثاني لا تصدق لأن الأصل عدم الحمل، وهي متهمة بتأخير الواجب فلا بد من بينة تقوم على ظهور مخايله أو إقرار المستحق كما صرح به في الروضة وأصلها. وعلى الأول هل تحلف أو لا؟ رأيان:
أوجههما الأول كما صرح به الماوردي، وجزم به ابن قاضي عجلون في تصحيحه على هذا الكتاب لأن لها غرضا في التأخير. وقال الأسنوي: المتجه الثاني لأن الحق لغيرها وهو الجنين. قال الإمام: ولا أدري الذي يصدقها يقول بالصبر إلى انقضاء مدة الحمل أم إلى ظهور المخايل؟ والأرجح الثاني فإن التأخير أربع سنين من غير ثبت بعيد اه. لا بعد في ذلك، فإن الزوج ما دام يغشاها فاحتمال الحمل موجود وإن زادت المدة على أربع سنين. وقال الدميري: ينبغي أن يمنع الزوج من الوطئ لئلا يقع حمل يمنع استيفاء ولي الدم، أما إذا لم يمكن حملها عادة كآيسة فلا تصدق كما نقله البلقيني عن النص، فإن الحس يكذبها، وخرج بقصاص النفس وما ذكر معه من حدود الله تعالى فلا تحبس لها، ولا تستوفي أيضا مع وجود المرضعة بل ترضعه هي ولا بعد الرضاع حتى يوجد له كافل. (ومن قتل بمحدد) كسيف أو بمثقل كحجر (أو خنق) - بكسر النون - عن الجوهري، وبسكونها عن خاله الفارابي، وتبعه المصنف في تحريره مع تجويز فتح الخاء وكسرها، ومعناه عصر الحلق (أو تجويع ونحوه) كتغريق أو تحريق أو إلقاء من شاهق (اقتص به) أي اقتص الولي بمثله، فإن المماثلة معتبرة في الاستيفاء لقوله تعالى * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * وقوله تعالى * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * وقوله تعالى * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * وفي الصحيحين أن النبي (ص) رض رأس يهودي بين حجرين وكان قد قتل جارية بذلك وروى البيهقي مرفوعا ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه و لأن المقصود من القصاص التشفي، وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل، وحديث النهي عن المثلة محمول على من وجب قتله، لا على وجه المكافأة.
تنبيه: قوله: اقتص به: أي له ذلك، لا أنه يتعين، فلو عدل إلى السيف جاز جزما كما ذكره بعد، وكما تراعى المماثلة في طريق القتل تراعى في الكيفية والمقدار، ففي التجويع يحبس مثل تلك المدة ويمنع الطعام، وفي الالقاء في الماء أو النار يلقى في ماء ونار ومثلهما ويترك تلك المدة وتشد قوائمه عند الالقاء في الماء إن كان يحسن السباحة، وفي الخنق يخنق بمثل تلك المدة، وفي الالقاء من الشاهق يلقى من مثله وتراعى صلابة الموضع، وفي الضرب بالمثقل يراعى الحجم وعدد الضربات، وإذا تعذر الوقوف على قدر الحجر أو النار أو على عدد الضربات أخذ باليقين، وقيل يعدل إلى السيف، هذا إذا عزم على أنه إن لم يمت بذلك قتله، فإن قال فإن لم يمت به عفوت عنه لم يمكن كما قاله