نسبه بأن يتميز بها عن غيره فله أن يحكم بشهادته حينئذ، كذا نقله في أصل الروضة عن الغزالي، ثم نقل عن غيره ما يقتضي أنها لا تفيد لأنها شهادة على مجهول، وجمع بينهما الأسنوي بأن الأول فيما إذا حصلت المعرفة بذلك، والثاني فيما إذا لم تحصل به. والحاصل أن المدار على المعرفة، ولو بمجرد لقب خاص به، كالشهادة على السلطان بقوله: أشهد على سلطان الديار المصرية والشامية فلان فإنه يكفي، ولا يحتاج معه إلى شئ آخر، ولو كان بعد موته، ويدل لذلك قول الرافعي بعد اشتراطه ذكر اسمه واسم أبيه وجده وحليته وصنعته: وإذا حصل الاعلام ببعض ما ذكرناه اكتفي به اه.
قال ابن شهبة: وبها يزول الاشكال في الشهادة على عتقاء السلطان والامراء وغيرهم، فإن الشهود لا تعرف أنسابهم غالبا، فيكتفى بذكر أسمائهم مع ما يحصل التمييز به من أوصافهم، وعليه العمل عند الحكام، قال: وقد اعتمدت على شهادة من شهد على فلان التاجر المتوفى في وقت كذا الذي كان ساكنا في الحانوت الفلاني إلى وقت وفاته وعلم أنه لم يسكن في ذلك الحانوت في هذا الوقت غيره وحكمت بهذه الشهادة. وقال البلقيني: فالمدار على ذكر ما يعرف به كيفما كان، قال: ومقتضى كلام الإمام أن للشهادة على مجرد الاسم قد تنفع عند الشهرة وعدم المشاركة، فلو تحملها على من لم يعرفه وقال له: اسمي ونسبي كذا لم يعتمده، فلو استفاض اسمه ونسبه بعد تحملها عليه، فله أن يشهد في غيبته باسمه ونسبه كما لو عرفهما عند التحمل، وإن أخبره عدلان عند التحمل أو بعده باسمه ونسبه لم يشهد في غيبته بناء على عدم جواز الشهادة على النسب بالسماع من عدلين كما هو الراجح كما سيأتي.
تنبيه: لو شهدا أن فلان ابن فلان وكل فلان ابن فلان كانت شهادة بالوكالة والنسب جميعا، قاله الماوردي والروياني. (ولا يصح تحمل شهادة على متنقبة اعتمادا على صوتها) فإن الأصوات تتشابه، فمن لم يسمع صوته ولم يرها بأن كانت من وراء ستر أولى بالمنع، ولا يمنع الحائل الرقيق على الأصح.
تنبيه: مراد المصنف والأصحاب بأنه لا يصح التحمل على المتنقبة ليؤدي ما تحمله اعتمادا على معرفة صوتها.
أما لو شهد اثنان أن امرأة متنقبة أقرت يوم كذا لفلان بكذا، فشهد آخران أن تلك المرأة التي حضرت وأقرت يوم كذا هي هذه ثبت الحق بالبينتين، كما لو قامت بينة أن فلان ابن فلان الفلاني أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان ابن فلان ثبت الحق. ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو تحقق صوتها من وراء نقاب كثيف ولازمها حتى أدى على عينها كما أشار إليه الرافعي بحثا كنظيره من الأعمى. قال في المطلب: ولا إشكال فيه. وضبط المصنف متنقبة بمثناة فوقية ثم نون مفتوحة ثم قاف مكسورة شديدة، وفي بعض شروح المتن ضبطه بنون ساكنة ثم مثناة فوقية مفتوحة ثم قاف مكسورة خفيفة، وجرى على ذلك الشارح فقال: بنون ثم تاء، من انتقب كما في الصحاح. (فإن عرفها بعينها، أو باسم ونسب جاز) التحمل عليها، ولا يضر النقاب، بل يجوز كشف الوجه حينئذ كما في الحاوي وغيره.
(ويشهد) المتحمل على المتنقبة (عند الأداء بما يعلم) مما ذكر فيشهد في العلم بعينها إن حضرت، وفي صورة علمه باسمها ونسبها إن غابت أو ماتت ودفنت، فإن لم يعلم شيئا من ذلك كشف وجهها عند التحمل عليها وضبط حليتها وكشفه أيضا عند الأداء. ويجوز استيعاب وجهها بالنظر للشهادة عند الجمهور، وصحح الماوردي أن ينظر ما يعرفها به فقط فإن عرفها بالنظر إلى بعضه لم يتجاوزه. وهذا هو الظاهر، ولا يزيد على مرة، سواء قلنا بالاستيعاب أم لا، إلا أن يحتاج للتكرار. (ولا يجوز التحمل عليها) أي المرأة متنقبة أم لا (بتعريف عدل أو عدلين) أنها فلانة بنت فلان (على الأشهر) المعبر به في المحرر وفي الروضة وأصلها عند الأكثرين، بناء على أن المذهب في أن التسامع لا بد فيه من جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب. وقيل: يجوز بتعريف عدل لأنه خبر، وقيل بتعريف عدلين بناء على جواز الشهادة على النسب بالسماع منهما. (والعمل على خلافه) أي الأشهر وهو التحمل بما ذكر.
ولم يبين أن مراده العمل على التحمل بتعريف عدل فقط، وقد مر أنهما وجهان، وقد سبق للمصنف مثل هذه