لأنه لم يظهر التوبة عما كان مستورا عليه إلا عن صلاح، قاله الماوردي الروياني. ومنها ما لو عصى الولي بالعضل ثم تاب زوج في الحال ولا يحتاج إلى استبراء كما حكاه الرافعي عن البغوي. ومنها شاهد الزنا إذا وجب عليه الحد لعدم تمام العدد، فإنه لا يحتاج بعد التوبة إلى استبراء بل تقبل شهادته في الحال على المذهب في أصل الروضة. ومنها ناظر الوقف بشرط الواقف إذا فسق ثم تاب عادت ولايته من غير استبراء. ومنها الممتنع من القضاء إذا تعين عليه، وقد مر ما فيه في باب القضاء. ومنها قاذف غير المحصن، قال البلقيني: لا يحتاج إلى استبراء لمفهوم قول الشافعي في الام، فأما من قذف محصنة فلا تقبل شهادته حتى يختبر. ومنها الصبي إذا فعل ما يقتضي فسق البالغ ثم تاب وبلغ تائبا، قال البلقيني أيضا: لم يعتبر فيه الاختبار كما يظهر من كلام الشافعي والأصحاب. ومنها ما لو حصل خلل في الأصل ثم زال احتاج الفرع إلى تحمل الشهادة ثانيا، قال الزركشي: ولم يذكروا هذه المدة. ومنها المرتد إذا أسلم وكان عدلا قبل الردة كما قاله الماوردي واقتضاه كلام غيره. فإن قيل: هلا كان كالفاسق أجيب بأنه إذا أسلم فقد أتى بضد الكفر فلم يبق بعد ذلك احتمال، وليس كذلك إذا زنا ثم تاب، لأن التوبة ليست مضافة للمعصية بحيث تنفيها. وقيد الماوردي والروياني إسلام المرتد بما إذا أسلم مرسلا، فإن أسلم عند تقديم القتل اعتبر مضي المدة.
تنبيه: اقتصار المصنف ك الرافعي على الفسق يقتضي أنه إذا تاب عما يخرم المروءة لا يحتاج إلى استبراء، وليس مرادا، فقد صرح صاحب التنبيه بأنه يحتاج إلى الاستبراء. قال البلقيني: وله وجه، فإن خارم المروءة صار باعتياده سجية له، فلا بد من اختبار حاله. وذكر في المطلب أنه يحتاج إلى الاستبراء في التوبة من العداوة سواء أكانت قذفا أم لا كالغيبة والنميمة وشهادة الزور. (ويشترط في توبة معصية قولية القول) قياسا على التوبة من الردة بكلمتي الشهادة، (فيقول القاذف) مثلا في التوبة من القذف: (قذفي) فلانا (باطل) أو ما كنت محقا فيه ونحو ذلك، (وأنا نادم عليه، ولا أعود إليه) ليندفع عار القذف. ولا يكلف أن يقول كذبت، فقد يكون صادقا فكيف يؤمر بالكذب؟
فإن قيل: قول المصنف قذفي باطل صريح في إكذاب نفسه، وقد نقل عن الجمهور أنه لا يكذب نفسه، فكان الأولى إتيانه بعبارة المحرر والجمهور، وهي القذف باطل، أي قذف الناس باطل. أجيب بحمل كلامه على تجويز نيابة المضاف إليه عن الألف واللام، كقوله تعالى: * (قل الله أعبد مخلصا له ديني) * أي الدين. وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين القذف على سبيل الايذاء أو على الشهادة إذا لم يتم عدد الشهود، وهو كذلك كما في الشرح والروضة. قال الرافعي: ويشبه أن يشترط في هذا الاكذاب جريانه بين يدي القاضي انتهى. وهو كما قال ابن شهبة ظاهر فيمن قذف بحضرة القاضي واتصل قذفه ببينة أو اعتراف، وغير ظاهر فيما إذا لم يتصل بالقاضي أصلا، بل في جواز إتيانه القاضي وإعلامه له بالقذف نظرا لما فيه من الايذاء وإشاعة الفاحشة. (وكذا شهادة الزور) يقول الشاهد فيها على وزان ما مر: شهادتي باطلة وأنا نادم عليها ولا أعود إليها، لأنه في معنى ما سبق. ولكن الذي في الروضة وأصلها عن المهذب أنه يقول: كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله وأقراه. (قلت) ك الرافعي في الشرح: (و) المعصية (غير القولية) كالسرقة والزنا والشرب (يشترط) في التوبة منها (إقلاع) عنها (وندم) عليها (وعزم أن لا يعود) لها (ورد ظلامة آدمي) من مال وغيره، وقصاص وحد قذف (إن تعلقت به. والله أعلم) فيؤدي الزكاة لمستحقها، ويرد المغصوب إن بقي وبدله إن تلف لمستحقه أو يستحق منه أو من ورائه ويعلمه إن لم يعلم، فإن لم يوجد مستحق أو انقطع خبره سلمها إلى قاض أمين، فإن تعذر تصدق بها ويؤدي الغرم أو يتركها عنده. والمعسر ينوي العزم إذا قدر، فإن مات معسرا طولب في الآخرة إن عصي بالاستدانة، كأن استدان لإعانة على معصية وإلا فإن استدان