خلاف أنها تسمع وإن لم يذكر الجحود، وإقدامه على البيع كاف في الدلالة على جحوده، قاله الإمام والغزالي. (فإن قال: هو) أي الغائب (مقر) وأنا أقيم البينة استظهارا لمخالفة أن يبكر لغت دعواه، و (لم تسمع بينته) لتصريحه بالمنافي لسماعها، لأنها لا تقام على مقر.
تنبيه: هذا إن أراد بإقامتها أن يكتب القاضي بذلك لحاكم بلد الغائب، فلو كان للغائب مال حاضر وأقام البينة على دينه ليوفيه القاضي حقه سمعت، وإن قال: هو مقركما في الروضة وأصلها عن فتاوى القفال. وزاد البلقيني على هذه الصورة صورا أخر. أحدها: لو قال هو مقر ولكنه ممتنع سمعت بينته وحكم بها. ثانيها: إذا كانت بينته شاهدة بالاقرار فإنه يقول عند مطابقة دعواه بينته أقر فلان بكذا أولى به بينة، قال: فإن قيل: لم لم يقل هو مقر الآن بخلاف صورة القفال؟ قلنا: قوله أقر يقتضي دوام الاقرار، لأن الأصل بقاء الاقرار، لكنه ضمني ويغتفر في الضمني ما لا يغتفر في الاستقلال. ثالثها: لو كان الغائب لا يقبل إقراره لسفه ونحوه فلا يمنع قوله هو مقر من سماع بينة المدعي، وكذا المفلس يقر بدين معاملة بعد الحجر فإنه لا يقبل في حق الغرماء، فلا يضر قول المدعي في غيبته إنه مقر، لأن إقراره لا يؤثر، وكذا لو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو فادعاها عمرو في غيبته ليقيم بينته لا يضره قوله وهو مقر لأن إقراره غير مؤثر في العقد الذي وقعت به الدعوى. قال: ويتصور نحو ذلك في الرهن والجناية، ولم أر من تعرض لذلك. (وإن أطلق) المدعي بأن لم يتعرض لجحود الغائب ولا لاقراره، (فالأصح أنها) أي بينته (تسمع) لأنه قد لا يعلم جحوده في غيبته ويحتاج إلى إثبات حقه، فيجعل غيبته كسكوته. والثاني: لا تسمع، لأن البينة إنما يحتاج إليها عند الجحود. (و) الأصح (أنه لا يلزم القاضي مسخر) بفتح الخاء المعجمة، (ينكر على الغائب) عند الدعوى عليه، قال في أصل الروضة: لأنه قد يكون مقرا فيكون إنكار المسخر كذبا، قال: ومقتضى هذا التوجيه أنه لا يجوز نصبه، لكن الذي ذكره العبادي وغيره أن القاضي مخير بين النصب وعدمه انتهى. فقول ابن المقري: إن نصبه مستحب قال شيخنا:
قد يتوقف فيه. والثاني: يلزمه لتكون البينة على إنكار منكر. (ويجب) على القاضي (أن يحلفه) أي المدعي يمين الاستظهار، (بعد) إقامة (البينة) أي وتعديلها وقبل توفية الحق، (أن الحق) الذي لي على الغائب (ثابت في ذمته) إلى الآن وأنه يجب تسليمه إلي كما في الروضة وأصلها احتياطا للمحكوم عليه، لأنه لو حضر ربما ادعى ما يبرئه منه، هذا أقل ما يكفي، والأكمل على ما ذكره في أصل الروضة أنه ما أبرأه من الدين الذي يدعيه ولا من شئ منه ولا اعتاض ولا استوفى ولا أحال عليه هو ولا أحد من جهته بل هو ثابت في ذمة المدعى عليه يلزمه أداؤه. ثم قال: ويجوز أن يقتصر فيحلفه على ثبوت المال في ذمته ووجوب تسليمه اه. وإنما اعتبر ذكر لزوم تسليمه لأنه قد يكون ثابتا في ذمته ، ولا يلزمه تسليمه لتأجيل ونحوه. (وقيل: يستحب) تحليفه، لأنه يمكنه التدارك إن كان له دافع.
تنبيه: محل وجوب التحليف إذا لم يكن للغائب وكيل حاضر، وإلا لم يحتج إلى ضم اليمين إلى البينة كما قاله ابن الرفعة.
(ويجريان) هذان الوجهان (في دعوى على صبي أو مجنون) أو ميت بلا وارث خاص، والأصح الوجوب لعجزهم عن التدارك، فإن كان للميت وارث خاص اعتبر في الحلف طلب الوارث، لأن الحق له في التركة، ومثله ما لو كان للصبي أو المجنون نائب خاص، وبه صرح صاحب المهذب والتهذيب وغيرهما كما نقله الزركشي وأقره.
تنبيه: قد علم من ذلك أنه لا تنافي بين ما ذكر هنا وما ذكر في كتاب دعوى الدم والقسامة من أن شرط المدعى عليه أن يكون مكلفا ملتزما للأحكام، فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون، لأن محل ذلك عند حضور وليهما فتكون الدعوى على الولي، أما عند غيبته فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب فلا تسمع إلا أن يكون هناك بينة