النصراني في الاحد، أما إذا ادعاه الخصم إلى حاكم من غير رفع فقال الإمام: لا يلزمه الحضور، بل الواجب أداء الحق إن كان عليه. وفي الحاوي والمهذب والبيان الحضور مطلقا لظاهر قوله تعالى: * (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله) * الآية. وحمل ابن أبي الدم الأول على ما إذا قال: لي عليك كذا فاحضر معي إلى الحاكم، فلا يلزمه الحضور وإنما عليه وفاء الدين، والثاني على ما إذا قال: بيني وبينك محاكمة ولم يعلمه بها ليخرج عنها فيلزمه الحضور اه. وكلام الإمام أظهر. ويحضر القاضي الخصم المطلوب إحضاره لمجلس الحكم، (بدفع ختم) أي مختوم (طين رطب أو غيره) للمدعي بعرضه على الخصم، وليكن نقش الختم: أجب القاضي فلانا، وكان هذا أولا عادة قضاء السلف، ثم هجر واعتاد الناس الآن الكتابة في الكاغد، وهو أولى. (أو) أحضره إن لم يجب بما مر (بمرتب لذلك) من الأعوان بباب القاضي يسمون في زماننا بالرسل صيانة للحقوق، ومؤنة العون على الطالب إن لم يرزق من بيت المال.
تنبيه: ظاهر كلامه التخيير بينهما وليس مرادا، ولذا قدرت في كلامه: إن لم يجب بما مر، ففي تعليق الشيخ أبي حامد أنه يرسل الختم أولا، فإن لم يحضر بعث إليه العون. قال البلقيني: وفيه مصلحة لأن الطالب قد يتضرر بأخذ أجرته منه، أي فإن أجرة العون عليه إن لم يرزق من بيت المال كما مر. نعم ينبغي كما قال شيخنا أن يكون مؤنة من أحضره عند امتناعه الحضور يبعث الختم على المطلوب أخذا مما يأتي، وفي الحاوي للقاضي أن يجمع بين ختم الطين والمرتب إن أدى اجتهاده من إليه من قوة الخصم وضعفه. (فإن امتنع) المطلوب من الحضور (بلا عذر) أو سوء أدب بكسر الختم ونحوه، ولو بقول العون الثقة، (أحضره) وجوبا (بأعوان السلطان) وعليه حينئذ مؤنتهم لامتناعهم. (وعزره) بما يراه ممن ضرب أو حبس أو غيره. وله العفو عن تعزيره إن رآه، فإن اختفى نودي بإذن القاضي على باب داره أنه إن لم يحضر إلى ثلاثة أيام سمر بابه أو ختم عليه، فإن لم يحضر بعد الثلاث وطلب الختم سمره أو ختمه إجابة إليه إن تقر عنده أنها داره، ولا يرفع المسمار ولا الختم إلا بعد فراغ الحكم. والظاهر كما قال الأذرعي أن محل التسمير أو الختم إذا كان لا يأويها غيره، وإلا فلا سبيل إلى ذلك ولا إلى إخراج من فيها. فإن عرف موضعه بعث إليه النساء ثم الصبيان ثم الخصيان يهاجمون الدار ويفتشون عليه ثم يبعث معهم عدلين كما قاله ابن القاص وغيره، فإذا دخلوا الدار وقف الرجال في الصحن وأخذ غيرهم في التفتيش. قالوا: ولا هجوم في الحدود إلا في حد قاطع الطريق. قال الماوردي: وإذا تعذر حضور بعد هذه الأحوال حكم القاضي بالبينة. وهل يجعل امتناعه كالنكول في رده اليمين؟
الأشبه نعم، لكن لا يحكم عليه بذلك إلا بعد إعادة النداء على بابه ثانيا بأنه يحكم عليه بالنكول، فإذا امتنع من الحضور بعد النداء الثاني حكم بنكوله. وإن امتنع من الحضور لعذر كخوف ظالم أو حبسه أو مرض بعث إليه نائبه ليحكم بينه وبين خصمه، أو وكل المعذور من يخاصم عنه، ويبعث القاضي إليه من يحلفه إن وجب تحليفه. قال في المهمات: ويظهر أن هذا في غير معروف النسب. أو لم يكن عليه بينة، وإلا سمع الدعوى والبينة وحكم عليه لأن المرض كالغيبة في سماع شهادة الفرع فكذا في الحكم عليه، قال: وقد صرح بذلك البغوي. (أو) كان الاستعداء على (غائب في غير) محل (ولايته) أي القاضي، (فليس له إحضاره) لأنه لا ولاية له عليه، ولو استحضره لم يلزمه إجابته، بل يسمع الدعوى والبينة ثم إن شاء أنهى السماع وإن شاء حكم بعد تحليف المدعي على ما سبق وإن كانت في مسافة قريبة كما مر عن الماوردي. (أو) على غائب (فيها) أي في محل ولايته (وله هناك نائب لم يحضره) القاضي لما في إحضاره من المشقة مع وجود الحاكم هناك، (بل يسمع بينة) عليه بذلك (ويكتب) بسماعها (إليها) أي نائبه ليحكم بها لامكان الفصل بهذا الطريق فلا يكلف الحضور.