القاضي حينئذ عن إحضاره بنفسه وبأعوان السلطان، فتسمع البينة عليه حينئذ ويحكم عليه بغير حضوره وبغير نصب وكيل ينكر عنه لتعذر الوصول إليه كالغائب وإلا اتخذ الناس ذريعة إلى إبطال الحق. وهل يحلف له المدعي يمين الاستظهار كالغائب أو لا لقدرته على الحضور؟ وجهان صحح منهما البلقيني الأول، لأن هذا احتياط للقضاء، فلا يمنع منه ذلك، وجزم صاحب العدة والماوردي والروياني بالثاني، وهو أوجه كما صححه الأذرعي وغيره.
تنبيه: هذا كله إذا كان الخصم الخارج عن البلد في محل ولاية القاضي، فإن كان خارجا عنها فالبعد والقرب على حد سواء، فيجوز أن تسمع الدعوى عليه، ويحكم ويكاتب كما قاله الماوردي وغيره. (والأظهر) وعبر في الروضة بالمشهور، (جواز القضاء على غائب في) عقوبة لآدمي، نحو (قصاص وحد قذف) لأنه حق آدمي فأشبه المال (ومنعه في حد لله تعالى) أو تعزير له، لأن حق الله تعالى مبني على المسامحة والدرء لاستغنائه تعالى، بخلاف حق الآدمي، فإنه مبني على التضييق لاحتياجه. والثاني: المنع مطلقا، لأن ذلك يسعى في دفعه ولا يوسع بابه. والثالث الجواز مطلقا كالأموال، وما اجتمع فيه حق لله تعالى ولآدمي كالسرقة يقضى فيها على الغائب بالمال دون القطع كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره وحقوق الله تعالى المالية كحق الآدمي (ولو سمع) قاض (بينة على غائب فقدم) أو على صبي فبلغ عاقلا أو على مجنون فأفاق (قبل الحكم) في الجميع، (لم يستعدها) أو لا يجب عليه أن يستعيدها، بخلاف شهود الأصل إذا حضروا بعد شهادة شهود الفرع، وقبل الحكم لا d قضى بشهادتهم لأنهم بدل ولا حكم للبدل مع وجود الأصل. (بل يخبره) أي من ذكر بالحال، (ويمكنه) بعد ذلك من (جرح) فيها وما يمنع شهادتها عليه كعداوة ويمهل لذلك ثلاثة أيام. وأما بعد الحكم فهو على حجته بالأداء والابراء والجرح يوم الشهادة، لأنه إذا أطلق الجرح احتمل حدوثه بعد الحكم كما قالاه، ولا معنى لاشتراطه يوم الشهادة، بل لو جرحها قبلها ولم تمض مدة الاستبراء فكذلك، فإن مضت لم يؤثر الجرح كما صرح به الماوردي. قال الأذرعي: والظاهر أنه لا عبرة ببلوغ الصبي سفيها لدوام الحجر عليه كما لو بلغ مجنونا. (ولو عزل) قاض (بعد سماع بينة، ثم ولي وجبت الاستعادة) قطعا، ولا يحكم بالسماع الأول لبطلانه بالعزل.
تنبيه: لو خرج عن محل ولايته ثم عاد فله الحكم بالسماع الأول على الصحيح لبقاء ولايته. ثم استطرد المصنف لذكر ما لا يختص بهذا الباب فقال: (وإذا استعدي) بالبناء للمفعول من أعدى يعدي: أي يزيل العدوان، وهو الظلم، كأشكاه أزال شكواه. (على) خصم صالح لسماع الدعوى والجواب عنها، (حاضر بالبلد) أي طلب من القاضي إحضاره ولم يعلم القاضي كذبه كما قاله الماوردي وغيره، سواء عرف أن بينهما معاملة أم لا. (أحضره) وجوبا إقامة لشعار الأحكام ولزمه الحضور رعاية لمراتب الحكام. وقال ابن أبي الدم: إذا استحضره القاضي وجب عليه الإجابة لا أن يوكل أو يقضي الحق إلى الطالب اه. وهذا ظاهر. وعن ابن سريج أنه يحضر ذوي المروءات في داره لا في مجلس الحكم، والمذهب أنه لا فرق. ويستثنى من وجوب الاحضار من وقعت الإجارة على عينة وكان يتعطل بحضوره مجلس الحكم حق المستأجر، ذكره السبكي في التفليس من شرحه على المهذب وأخذه من قول الغزالي بعدم حبس من وقعت الإجارة على عينه، وقال: لا يعترض باتفاق الأصحاب على إحضاره البرزة، وإن كانت متزوجة أو حبسها، لأن الإجارة لها أمد ينتظر، وهو انقضاء المدة بخلاف النكاح. وفي الزوائد عن العدة أن المستعدى عليه إذا كان من أهل الصيانة والمروءة وتوهم الحاكم أن المستعدي يقصد ابتذاله وأذاه لا يحضره، ولكن ينفذ إليه من يسمع الدعوى تنزيلا لسيانته منزلة المخدرة. وجزم به سليم في التقريب ويوم الجمعة كغيره في إحضار الخصم، لكن لا يحضر إذا صعد الخطيب المنبر حتى تفرغ الصلاة بخلاف اليهودي يوم السبت، فإنه يحضره ويكسر عليه سبته. قال الزركشي: ويقاس عليه