مع أن تصرف الوكيل أضعف من تصرف القاضي. واحترز المصنف بالإمام عن القاضي مع خليفته فله عزله بلا موجب بناء على انعزاله بموته كما قاله الماوردي والسبكي، وإن خالف فيه البلقيني. وأفهم قوله: وللإمام أنه ليس للقاضي عزل نفسه، وليس مرادا بل له عزل نفسه كالوكيل كما جزم به في الروضة وأصلها، قال الشيخ أبو علي: إلا إن تعين عليه فلا يعزل نفسه، قال ابن عبد السلام: ولا ينعزل.
تنبيه: ما ذكره المصنف من جواز العزل محله في الامر العام، أما الخاص فقال الزركشي نقلا عن إفتاء جمع متأخرين: ولا ينعزل أرباب الوظائف الخاصة كالإمامة والاذان والتصرف والتدريس والطلب والنظر بالعزل من غير سبب إلا أن يكون في شرط الواقف ما يقتضيه، وقاسه على الجند المثبتين في الديوان. وفيه كلام للسبكي ذكرته في باب الوقف. (والمذهب أنه) أي القاضي، (لا ينعزل قبل بلوغه خبر عزله) وفي قوله من الطريق الثاني أنه ينعزل كأرجح القولين في الوكيل. والفرق بينهما على الأول عظم الضرر في نقض أقضيته بعد العزل وقبل بلوغ الخبر، بخلاف الوكيل. ولو علم الخصم أنه معزول لم ينفذ حكمه له لعلمه أنه غير حاكم باطنا، ذكره الماوردي في النكاح. نعم لو رضي بحكمه كان كالتحكيم.
تنبيه: لم يتعرضوا لما يحصل به بلوغ خبر العزل، قال الزركشي: ينبغي إلحاق ذلك بخبر التولية، أي تولية القضاء، بل أولى حتى يعتبر شاهدان، وتكفي الاستفاضة، ولا يكفي الكتاب المجرد في الأصح فيهما. وقال الأذرعي: الظاهر أنه يكفي خبر عدل واحد، ولو عبدا وامرأة اه. وهذا هو الظاهر. ويفرق بين التولية والعزل، بأن التولية فيها إقدام على الأحكام فيحتاط لها، والعزل فيه توقف عنها، وهو أحوط. قال البلقيني: ولو بلغه الخبر ولم يبلغ نوابه لا ينعزلون حتى يبلغهم الخبر وتبقى ولاية أصلهم مستمرة حكما وإن لم ينفذ حكمه، ويستمر ما رتب له على سد الوظيفة لسدها بنوابه. قال: والقياس في عكسه - أي فيما لو بلغ النائب قبل أصله - أن النائب لا ينعزل حتى يبلغ أصله خبر العزل وينفذ حكمه كما ينفذ حكم أصله. قال: ولم أر من تعرض له اه. وما قاله ظاهر في الأول ممنوع في العكس، لأن النائب دخل في عموم كلام الأصحاب حتى يبلغه الخبر والنائب قاض فينعزل ببلوغ الخبر كما جرى عليه شيخنا في بعض كتبه. ولو ولى السلطان قاضيا ببلد فحكم ذلك القاضي ولم يعلم أن السلطان ولاه، قال الزركشي: فيحتمل أن ينفذ حكمه، كما لو وكل وكيلا ببيع شئ فتصرف الوكيل وباعه ثم علم بالوكالة، فإن الشيخ أبا حامد وغيره قالوا: هو على الخلاف فيما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا اه. والظاهر عدم نفوذ حكمه لاشتراط قبول من القاضي وأخذا مما بحثه في قاض أقدم على تزويج امرأة يعتقد أنها في غير محل ولايته ثم ظهر أنها بمحل ولايته من أنه لا يصح، قال: لأنه بالاقدام يفسق ويخرج عن الولاية. (وإذا) علق الإمام عزل القاضي بقراءة كتاب، كأن (كتب الإمام إليه إذا قرأت كتابي فأنت معزول فقرأه انعزل) لوجود الصفة، وكذا لو طالعه وفهم ما فيه ولم يتلفظ، (وكذا إن قرئ عليه في الأصح) لأن القصد إعلامه بالعزل لا قراءته بنفسه. والثاني: لا ينعزل نظرا إلى صورة اللفظ. ولو كتب إليه عزلتك أو أنت معزول من غير تعليق على القراءة لم ينعزل ما لم يأته الكتاب كما قاله البغوي وغيره.
تنبيه: لو جاءه بعض الكتاب فقياس ما قالوه في الطلاق أنه إن انمحى موضع العزل لا ينعزل وإلا انعزل. ثم شرع في بيان انعزال نواب القاضي، فقال: (وينعزل بموته) أي القاضي، (وانعزاله) نائبه المقيد، وهو كل (من أذن له في شغل معين كبيع مال ميت) أو غائب وسماع شهادة في حادثة وغير ذلك من القضايا الجزئية كالوكيل. والمراد إذا علم بذلك كما يعلم مما مر، وصرح به ابن سراقة وفي الروضة وأصلها عن السرخسي: أن الإمام لو نصب نائبا عن القاضي لا ينعزل بموت القاضي وانعزاله. قال الرافعي: ويجوز أن يقال إذا كان الاذن مقيدا بالنيابة ولم يبق الأصل لم