ومراعاة وليس بتقليد حكم ولا نظر. قال الزركشي: ويحتمل في هذا إبطال التولية، كما لو قالت للولي: أذنت لك في تزويجي ولا تزوج بنفسك انتهى. والظاهر الأول، ويفرق بأن ولي النكاح ثابت له الولاية، وهي تريد أن تنفيها عنه بخلاف من أذن له في أن يولى القضاء. (فإن أطلق) أي الإمام الولاية لشخص ولم ينهه عن الاستخلاف ولم يأذن له فيه، وهو لا يقدر إلا على بعضه، (استخلف فيما لا يقدر عليه) لحاجته إليه، (لا) في (غيره) وهو ما يقدر عليه (في الأصح) لأن قرينة الحال تقتضي ذلك. وليس من العجز ما لا يراه المستخلف في مذهبه، فليس له أن يستخلف مخالفا ليعقد ما لا يراه مع قدرته على ما ولي فيه كما قاله بعد المتأخرين، والقادر على ما وليه لا يستخلف فيه أيضا على الأصح.
والثاني: يستخلف في المسألتين كالإمام بجامع النظر في المصالح العامة.
تنبيه: محل الخلاف في العجز المقارن، أما الطارئ كما لو مر ض القاضي أو أراد أن يسافر لشغل فيجوز له الاستخلاف قطعا، قاله في التهذيب. ولو أذن له الإمام في الاستخلاف وعمم أو أطلق بأن لم يعمم له في الاذن جاز له الاستخلاف في العام والخاص والمقدور عليه، وإن خصصه بشئ لم يتعده. (وشرط) الشخص (المستخلف) - بفتح اللام بخطه - (كالقاضي) في شروطه السابقة، لأنه قاض.
تنبيه: ظاهر إطلاق كلامه جواز استخلاف أبيه وابنه، وبه صرح الماوردي والبغوي وغيرهما، لكن محله إن ثبتت عدالتهما عند غيره، أما إذا فوض الإمام لشخص اختيار قاض فلا يختار ولده ولا والده، كما لا يختار نفسه.
ثم استثنى من التشبيه المذكور قوله: (إلا أن يستخلف) شخص (في أمر خاص، كسماع بينة فيكفي علمه بما يتعلق به) أي الامر الخاص من شرائط البينة، ولا يشترط فيه رتبة الاجتهاد كما نقلاه عن أبي محمد وأقراه وإن أشعر كلام المتن باشتراطه أيضا بأن خلاف الاستخلاف يجري أيضا في الامر الخاص، وهو مقتضى إطلاق الأكثرين، لكن قطع القفال بالجواز، وفي كلام الروضة ما يوافقه. وحيث جاز الاستخلاف فاستخلف شافعي مخالفا أو بالعكس جاز على المشهور كما يشير إليه قوله: (ويحكم) الخليفة (باجتهاده) إن كان مجتهدا، (أو باجتهاد مقلده) بفتح اللام بخطه، (إن كان مقلدا) بكسرها، حيث ينفذ قضاء المقلد، لقوله تعالى: * (فاحكم بين الناس بالحق) * والحق ما دل عليه الدليل عند المجتهد، فلا يجوز أن يحكم بغيره والمقلد ملحق بمن يقلده لأنه إنما يحكم بمعتقده فلذلك أجرى عليه حكمه. (ولا يجوز أن يشرط عليه) أي على من استخلفه (خلافه) أي الحكم باجتهاده أو باجتهاد مقلده لأنه لا يعتقده. وقضية ذلك أنه لو شرطه لم يصح الاستخلاف، وهو كذلك، لأن الحاكم إنما يعمل باجتهاده أو اجتهاد مقلده، وكذا لو شرطه الإمام في تولية القاضي لم تصح توليته لما مر، وإن قال: لا تحكم في كذا فيما يخالفه فيه جاز وحكم في غيره من بقية الحوادث، كقوله: لا تحكم في قتل المسلم بالكافر والحر بالعبد: (ولو حكم) بكاف مشددة، (خصمان رجلا) غير قاض (في غير حد الله تعالى) من مال أو غيره، (جاز مطلقا) على التفاصيل الآتية، (بشرط أهلية القضاء) ولا يشترط عدم القاضي، لأنه وقع لجمع من كبار الصحابة ولم ينكره أحد، قال الماوردي: فكان إجماعا.
تنبيه: قوله: خصمان يوهم اعتبار الخصومة، وليس مرادا، فإن التحكيم يجري في النكاح، فلو قال اثنان كان أولى، وقوله: في غير حدود الله مزيد على المحرر، ولا بد منه لأنه لا يصح التحكيم فيها، ولو قال في غير عقوبة لله ليتناول التعزير كان أولى لأنه كالحد في ذلك. واحترز بقوله: بشرط أهلية القضاء عما إذا كان غير أهل فلا ينفذ حكمه قطعا، والمراد بالأهلية الأهلية المطلقة لا بالنسبة إلى تلك الواقعة، ولهذا قال في المحرر: ويشترط فيه