المسجد. وكذا إذا احتاج للجلوس فيه لعذر من مطر ونحوه، فإن جلس فيه مع الكراهة أو دونها منع الخصوم من الخوض فيه بالمخاصمة والمشاتمة ونحوهما، بل يقعدون خارجه وينصب من يدخل عليه خصمين خصمين. وإقامة الحدود فيه أشد كراهة كما نص عليه، وقيل: يحرم إقامتها فيه كما جزم به ابن الصباغ، وهو محمول على ما إذا خيف تلويث المسجد من دم ونحوه.
تنبيه: من الآداب أن يجلس على مرتفع كدكة ليسهل عليه النظر إلى الناس وعليهم المطالبة. وأن يتميز عن غيره بفراش ووسادة وإن كان مشهورا بالزهد والتواضع ليعرفه الناس وليكون أهيب للخصوم وأرفق به فلا يمل.
وأن يستقبل القبلة لأنها أشرف المجالس كما رواه الحاكم وصححه. وأن لا يتكئ بغير عذر. وأن يدعو عقب جلوسه بالتوفيق والتسديد، والأولى ما روته أم سلمة أن النبي (ص) كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي قال في الأذكار: حديث صحيح رواه أبو داود، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال ابن وقاص: وسمعت أن الشعبي كان يقوله إذا خرج إلى مجلس القضاء ويزيد فيه: أو أعتدي أو يعتدى علي، اللهم أعني بالعلم وزيني بالحلم وألزمني التقوى حتى لا أنطق إلا بالحق ولا أقضي إلا بالعدل. وأن يأتي مجلس القضاء راكبا، ويستعمل ما جرت به العادة من العمامة والطيلسان.
ويندب أن يسلم على الناس يمينا وشمالا. (ويكره) له (أن يقضي في حال غضب وجوع وشبع مفرطين، و) في (كل حال يسوء خلقه فيه) كالمرض ومدافعة الأخبثين وشدة الحزن والسرور وغلبة النعاس، لخبر الصحيحين:
لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان رواه ابن ماجة بلفظ: لا يقضي وفي صحيح أبي عوانة: لا يقضي القاضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب، ولا يقضي وهو جائع. وظاهر هذا أنه لا فرق بين المجتهد وغيره، وهو كذلك، وإن قال في المطلب: لو فرق بين ما للاجتهاد فيه مجال وغيره لم يبعد. ولا فرق بين أن يكون الغضب لله أو لغيره، وهو كذلك كما قال الأذرعي إنه هو الموافق لاطلاق الأحاديث وكلام الشافعي والجمهور، وإن استثنى الإمام والبغوي الغضب لله تعالى، لأن المقصود تشويش الفكر، وهو لا يختلف بذلك، نعم تنتفي الكراهة إذا دعت الحاجة إلى الحكم في الحال.
وقد يتعين الحكم على الفور في صور كثيرة، فإن قضى مع تغير خلقه نفذ قضاؤه لقصة الزبير المشهورة. ويكره أن يتخذ حاجبا حيث لا زحمة وقت الحكم لخبر: من ولي من أمور الناس شيئا فاحتجب حجبه الله يوم القيامة رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده. فإن لم يجلس للحاكم بأن كان في وقت خلواته أو كان ثم زحمة لم يكره نصبه، والبواب وهو من يقعد بالباب للاحراز، ويدخل على القاضي للاستئذان كالحاجب فيما ذكر. قال الماوردي: أما من وظيفته ترتيب الخصوم والاعلام بمنازل الناس، أي المسمى الآن بالنقيب، فلا بأس باتخاذه وصرح القاضي أبو الطيب وغيره باستحبابه. (ويندب) عند الاختلاف وجوه النظر وتعارض الأدلة في حكم، (أن يشاور الفقهاء) لقوله تعالى: * (وشاورهم في الامر) *. قال الحسن البصري: كان النبي (ص) مستغنيا عنها، ولكن أراد أن تصير سنة للحكام. أما الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي فلا.
تنبيه: المراد بالفقهاء كما قاله جمع من الأصحاب الذين يقبل قولهم في الافتاء فيدخل الأعمى والعبد والمرأة، ويخرج الفاسق والجاهل. وقال القاضي حسين: لا يشاور من دونه في العلم على الأصح، قال: وإذا أشكل الحكم تكون المشاورة واجبة، وإلا فمستحبة اه. وقوله: لا يشاور من دونه فيه كما قال ابن شهبة نظر، فقد يكون عند المفضول في بعض المسائل ما ليس عند الفاضل، ويرده أيضا مشاورته (ص). (و) يندب (أن لا يشتري، و) لا (يبيع بنفسه) لئلا يشتغل قلبه عما هو بصدده، ولأنه قد يحابى فيميل قلبه إلى من يحابيه إذا وقع بينه وبين غيره حكومة، والمحاباة فيها رشوة أو هدية وهي محرمة.