الشرط هو الاسلام وغيره من المذكورات، وكذا ما بعدهما لا الشخص نفسه. أو أن يقول: مسلما مكلفا الخ بنصب الجميع على خبر كان المحذوفة كقوله فيما سبق: يشترط في الإمام كونه مسلما. (وهو) أي المجتهد (أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام) أي طريق الاجتهاد، ولا يشترط حفظ آياتها ولا أحاديثها المتعلقات بها عن ظهر قلب، وآي الأحكام كما ذكره البندنيجي والماوردي وغيرهما خمسمائة آية، وعن الماوردي أن عدد أحاديث الأحكام خمسمائة كعدد الآي. واعترض الأول بأن الأحكام كما تستنبط من الأوامر والنواهي تستنبط من القصص والمواعظ ونحوهما. والثاني: بأن غالب الأحاديث لا تكاد تخلو عن حكم شرعي، وأدب شرعي، وسياسة دينية، وكل ذلك أحكام شرعية. وأجيب عن ذلك بأن المراد التي هي محال النظر والاجتهاد والخفاء ونحو ذلك. واحترز المصنف بقوله:
ما يتعلق بالأحكام عن المواعظ والقصص. (و) يعرف (خاصه وعامه) بتذكير الضمير نظرا لما، والخاص خلاف العام الذي هو لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر. ويعرف العام الذي أريد به الخصوص، والخاص الذي أريد به العموم ومطلقه ومقيده (ومجمله) وهو ما لم تتضح دلالته، (ومبينه) وهو المتضح دلالته ويعرف نصه وظاهره، (وناسخه ومنسوخه) فيعرف ما نسخ لفظه وبقيت تلاوته وعكسه. ويعرف المتشابه والمحكم (ومتواتر السنة وغيره) أي الآحاد، لأن له أن يتمكن من الترجيح عند تعارض الأدلة، فيقدم الخاص على العام والمقيد على المطلق والمبين على المجمل والناسخ على المنسوخ والمتواتر على الآحاد.
تنبيه: أفرد المصنف الضمير حملا على لفظ ما، قال ابن برهان: ويشترط أن يعرف أسباب النزول، (و) يعرف (المتصل) من السنة (والمرسل) منها، وأريد به هنا غير المتصل، (وحال الرواة قوة وضعفا) بنصبهما على التمييز لأنه بذلك يتوصل إلى تقرير الأحكام.
تنبيه: إنما يشترط معرفة الرواة في حديث لم يجمع على قبوله، أما ما أجمع السلف على قبوله أو تواترت عدالة رواته فلا حاجة للبحث عن عدالتهم، وما عدا ذلك يكتفي في عدالة رواته بتعديل إمام مشهور عرف صحة مذهبه. قال في زيادة الروضة: هذا ما أطبق عليه جمهور الأصحاب، وشذ من شرط في التعديل اثنين اه. ولا بد مع العدالة من الضبط.
(و) يعرف (لسان العرب لغة ونحوا) بنصبهما أيضا على التمييز. وأراد بالنحو ما يشمل البناء والاعراب والتصريف لورود الشريعة به، ولان به يعرف عموم اللفظ وخصوصه وإطلاقه وتقييده وإجماله وبيانه وصيغ الأمر والنهي والخبر والاستفهام والوعد والوعيد والأسماء والافعال والحروف وما لا بد منه في فهم الكتاب والسنة. (و) يعرف (أقوال العلماء من الصحابة) رضي الله تعالى عنهم، (فمن بعدهم إجماعا واختلافا) لئلا يقع في حكم أجمعوا على خلافه.
تنبيه: قضية كلامه أنه يشترط معرفة جميع ذلك، وليس مرادا، بل يكفي أن يعرف في المسألة التي يفتي أو يحكم فيها أن قوله لا يخالف الاجماع فيها إما بعلمه بموافقة بعض المتقدمين، أو يغلب على ظنه أن تلك المسألة لم يتكلم فيها الأولون بل تولدت في عصره، وعلى هذا قياس معرفة الناسخ والمنسوخ كما نقلاه عن الغزالي وأقراه. (و) يعرف (القياس) صحيحه وفاسده (بأنواعه) الأولى والمساوي والأدون ليعمل بها، فالأول كقياس ضرب الوالدين على التأفيف، والثاني كقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم فيهما، والثالث كقياس التفاح على البر في باب الربا بجامع الطعم. ولا يشترط أن يكون متبحرا في كل نوع من هذه العلوم حتى يكون في النحو كسيبويه وفي اللغة كالخليل، بل يكفي معرفة جمل منها، قال ابن الصباغ: إن هذا سهل في هذا الزمان، فإن العلوم قد دونت وجمعت اه.
ويشترط أن يكون له من كتب الحديث أصل مصحح يجمع أحاديث غالب الأحكام كصحيح البخاري وسنن أبي داود.
ولا يشترط حفظه جميع القرآن ولا بعضه عن ظهر قلب، بل يكفي أن يعرف مظان أحكامه في أبوابها فيراجعها وقت الحاجة.