صفة القاضي. نعم يستثنى التحكيم في عقد النكاح، فإنه يجوز فيه تحكيم من لم يكن مجتهدا كما مر ذلك في بابه. واستثنى البلقيني من جواز التحكيم الوكيلين، فلا يكفي تحكيمهما، بل المعتبر تحكيم الموكلين والوليين، فلا يكفي تحكيمهما إذا كان مذهب المحكم يضر بأحدهما. والمحجور عليه بالفلس لا يكفي رضاه إذا كان مذهب المحكم يضر بغرمائه.
والمأذون له في التجارة وعامل القراض لا يكفي تحكيمهما، بل لا بد من رضا المالك. والمحجور عليه بالسفه لا أثر لتحكيمه، قال: ولم أر من تعرض لذلك. (وفي قول) من طريق: (لا يجوز) التحكيم مطلقا لما فيه من الافتيات على الإمام.
(وقيل) أي وفي وجه من طريق: يجوز التحكيم (بشرط عدم قاض بالبلد) لوجود الضرورة حينئذ. (وقيل) أي وفي وجه من طريق: (يختص) جواز التحكيم (بمال) لأنه أخف (دون قصاص ونكاح ونحوهما) كلعان وحد قذف لخطر أمرها، فتناط بنظر القاضي ومنصبه. والصحيح عدم الاختصاص، لأن من صح حكمه في مال صح في غيره كالمولى من جهة الإمام.
تنبيه: لا يأتي التحكم في حدود الله تعالى، إذ ليس لها طالب معين. ويؤخذ من هذا التعليل أن حق الله تعالى المالي الذي لا طالب له معين لا يجوز فيه التحكيم. (و) المحكم (لا ينفذ حكمه إلا على راض به) قبل حكمه، لأن رضا الخصمين هو المثبت للولاية، فلا بد من تقدمه.
تنبيه: محل اشتراط الرضا حيث لم يكن أحد الخصمين القاضي، فلو تحاكم القاضي مع شخص عند محكم لم يشترط رضا الآخر على المذهب بناء على أن ذلك تولية. ورده ابن الرفعة بأن ابن الصباغ وغيره قالوا: ليس التحكيم تولية، فلا يحسن البناء. وأجيب بأن محل هذا إذا صدر التحكيم من غير قاض فيحسن البناء. (فلا يكفي رضا قاتل) بحكمه (في ضرب دية على عاقلته) بل لا بد من رضا العاقلة، لأنهم لا يؤاخذون بإقرار الجاني فكيف يؤاخذون برضاه. ويشترط استدامة الرضا إلا تمام الحكم، (و) حينئذ (إن رجع أحدهما قبل) تمام (الحكم) ولو بعد إقامة البينة والشروع فيه، (امتنع الحكم) لعدم استمرار الرضا. (ولا يشترط الرضا بعد الحكم في الأظهر) كحكم المولى من جهة الإمام. والثاني: يشترط، لأن رضاهما معتبر في أصل الحكم فكذا في لزومه.
تنبيه: ليس للمحكم أن يحبس، بل غايته الاثبات والحكم، وقضيته أنه ليس له الترسيم، قال الرافعي نقلا عن الغزالي: وإذا حكم بشئ من العقوبات كالقصاص وحد القذف لم يستوفه لأن ذلك يحرم أبهة الولاية، وإذا ثبت الحق عنده وحكم به أو لم يحكم فله أن يشهد على نفسه في المجلس خاصة، إذ لا يقبل قوله بعد الافتراق كالقاضي بعد العزل، قاله الماوردي. ولا يحكم لنحو ولده ممن يتهم في حقه ولا على عدوه كما في القاضي لأنه لا يزيد عليه، ويمضي حكم المحكم كالقاضي ولا ينقض حكمه إلا بما ينقض به قضاء غيره.
فرع: يجوز أن يتحاكما إلى اثنين، فلا ينفذ حكم أحدهما حتى يجتمعا. ويفارق تولية قاضيين على اجتماعهما على الحكم لظهور الفرق، قاله في المطلب. (ولو نصب) الإمام ببلد (قاضيين في بلد وخص كلا بمكان) منه يحكم فيه، (أو زمان) كيوم كذا، (أو نوع) من الحكم كأن جعل أحدهما يحكم في الأموال والآخر في الدماء والفروج، (جاز) لعدم المنازعة بينهما.
تنبيه: شمل كلامه ما لو ولى الإمام قاضيا يحكم بين الرجال وآخر يحكم بين النساء، وهو ما جزم به الإمام.
وعلى هذا لو اختصم رجل وامرأة لم يفصل واحد منهما الخصومة فلا بد من ثالث يتولى القضاء بين الرجال والنساء،