مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٧٩
صفة القاضي. نعم يستثنى التحكيم في عقد النكاح، فإنه يجوز فيه تحكيم من لم يكن مجتهدا كما مر ذلك في بابه. واستثنى البلقيني من جواز التحكيم الوكيلين، فلا يكفي تحكيمهما، بل المعتبر تحكيم الموكلين والوليين، فلا يكفي تحكيمهما إذا كان مذهب المحكم يضر بأحدهما. والمحجور عليه بالفلس لا يكفي رضاه إذا كان مذهب المحكم يضر بغرمائه.
والمأذون له في التجارة وعامل القراض لا يكفي تحكيمهما، بل لا بد من رضا المالك. والمحجور عليه بالسفه لا أثر لتحكيمه، قال: ولم أر من تعرض لذلك. (وفي قول) من طريق: (لا يجوز) التحكيم مطلقا لما فيه من الافتيات على الإمام.
(وقيل) أي وفي وجه من طريق: يجوز التحكيم (بشرط عدم قاض بالبلد) لوجود الضرورة حينئذ. (وقيل) أي وفي وجه من طريق: (يختص) جواز التحكيم (بمال) لأنه أخف (دون قصاص ونكاح ونحوهما) كلعان وحد قذف لخطر أمرها، فتناط بنظر القاضي ومنصبه. والصحيح عدم الاختصاص، لأن من صح حكمه في مال صح في غيره كالمولى من جهة الإمام.
تنبيه: لا يأتي التحكم في حدود الله تعالى، إذ ليس لها طالب معين. ويؤخذ من هذا التعليل أن حق الله تعالى المالي الذي لا طالب له معين لا يجوز فيه التحكيم. (و) المحكم (لا ينفذ حكمه إلا على راض به) قبل حكمه، لأن رضا الخصمين هو المثبت للولاية، فلا بد من تقدمه.
تنبيه: محل اشتراط الرضا حيث لم يكن أحد الخصمين القاضي، فلو تحاكم القاضي مع شخص عند محكم لم يشترط رضا الآخر على المذهب بناء على أن ذلك تولية. ورده ابن الرفعة بأن ابن الصباغ وغيره قالوا: ليس التحكيم تولية، فلا يحسن البناء. وأجيب بأن محل هذا إذا صدر التحكيم من غير قاض فيحسن البناء. (فلا يكفي رضا قاتل) بحكمه (في ضرب دية على عاقلته) بل لا بد من رضا العاقلة، لأنهم لا يؤاخذون بإقرار الجاني فكيف يؤاخذون برضاه. ويشترط استدامة الرضا إلا تمام الحكم، (و) حينئذ (إن رجع أحدهما قبل) تمام (الحكم) ولو بعد إقامة البينة والشروع فيه، (امتنع الحكم) لعدم استمرار الرضا. (ولا يشترط الرضا بعد الحكم في الأظهر) كحكم المولى من جهة الإمام. والثاني: يشترط، لأن رضاهما معتبر في أصل الحكم فكذا في لزومه.
تنبيه: ليس للمحكم أن يحبس، بل غايته الاثبات والحكم، وقضيته أنه ليس له الترسيم، قال الرافعي نقلا عن الغزالي: وإذا حكم بشئ من العقوبات كالقصاص وحد القذف لم يستوفه لأن ذلك يحرم أبهة الولاية، وإذا ثبت الحق عنده وحكم به أو لم يحكم فله أن يشهد على نفسه في المجلس خاصة، إذ لا يقبل قوله بعد الافتراق كالقاضي بعد العزل، قاله الماوردي. ولا يحكم لنحو ولده ممن يتهم في حقه ولا على عدوه كما في القاضي لأنه لا يزيد عليه، ويمضي حكم المحكم كالقاضي ولا ينقض حكمه إلا بما ينقض به قضاء غيره.
فرع: يجوز أن يتحاكما إلى اثنين، فلا ينفذ حكم أحدهما حتى يجتمعا. ويفارق تولية قاضيين على اجتماعهما على الحكم لظهور الفرق، قاله في المطلب. (ولو نصب) الإمام ببلد (قاضيين في بلد وخص كلا بمكان) منه يحكم فيه، (أو زمان) كيوم كذا، (أو نوع) من الحكم كأن جعل أحدهما يحكم في الأموال والآخر في الدماء والفروج، (جاز) لعدم المنازعة بينهما.
تنبيه: شمل كلامه ما لو ولى الإمام قاضيا يحكم بين الرجال وآخر يحكم بين النساء، وهو ما جزم به الإمام.
وعلى هذا لو اختصم رجل وامرأة لم يفصل واحد منهما الخصومة فلا بد من ثالث يتولى القضاء بين الرجال والنساء،
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548