مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٧٧
تنبيه: أشعر اقتصار المصنف على الأدلة الأربعة أنه لا يشترط معرفة الأدلة المختلف فيها، كالاخذ بأقل ما قبل وكالاستصحاب، وليس مرادا، بل لا بد أيضا من معرفتها. وبأنه لا يشترط معرفة أصول الاعتقاد، وليس مرادا أيضا ، فقد حكى في الروضة كأصلها عن الأصحاب اشتراطه. وبأنه لا يشترط فيه الكتابة، وهو الأصح، لأنه (ص) كان أميا لا يقرأ ولا يكتب. وقيل: يشترط، وصححه الجرجاني، وقال الزركشي: إنه المختار في هذا الزمان، لأنه يحتاج أن يكتب لغيره ويكتب إليه، وإذا قرئ عليه شئ ربما حرف القارئ بخلاف الذين كانوا عند النبي (ص)، ولان عدم الكتابة في حقه معجزة، وفي حق غيره منقصة. وبأنه لا يشترط فيه معرفة الحساب لتصحيح المسائل الحسابية الفقهية، وهو كذلك كما صوبه في المطلب، لأن الجهل به لا يوجب الخلل في غير تلك المسائل، والإحاطة بجميع الأحكام لا تشترط. ثم اجتماع هذه العلوم إنما يشترط في المجتهد المطلق، وهو الذي يفتي في جميع أبواب الشرع، وأما المقيد بمذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه. وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع، ولهذا ليس له أن يعدل عن نص إمامه، كما لا يسوغ الاجتهاد مع النص. قال ابن دقيق العيد: ولا يخلو العصر عن مجتهد إلا إذا تداعى الزمان وقربت الساعة، وأما قول الغزالي والقفال: إن العصر خلا عن المجتهد المستقل، فالظاهر أن المراد مجتهد قائم بالقضاء فإن العلماء يرغبون عنه وهذا ظاهر لا شك فيه، أو كيف يمكن القضاء على الاعصار بخلوها عن المجتهد والقفال نفسه كان يقول للسائل في مسألة الصبر: أتسألني عن مذهب الشافعي أم ما عندي؟ وقال: هو والشيخ أبو علي والقاضي الحسين والأستاذ أبو إسحاق وغيرهم أسناد مقلدين للشافعي، بل وافق رأينا رأيه. فما هذا كلام من يدعي زوال رتبة الاجتهاد. وقال: ابن الصلاح وإمام الحرمين والغزالي والشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الأئمة المجتهدين في المذهب.
فروع: يجوز أن يتبعض الاجتهاد بأن يكون العالم مجتهدا في باب دون باب، فيكفيه علم ما يتعلق بالباب الذي يجتهد فيه. ويندب أن يكون من يتولى القضاء من قريش. ومراعاة العلم والتقى أولى من مراعاة النسب. وأن يكون ذا حلم وتثبت ولين وفطنة ويقظة وكتابة وصحة حواس وأعضاء. وأن يكون عارفا بلغة البلد الذي يقضي لأهله، قنوعا سليما من الشحناء، صدوقا، وافر العقل، ذا وقار وسكينة. وإذا عرف الإمام أهلية أحد ولاه، وإلا بحث عن حاله كما اختبر النبي (ص) معاذا. ولو ولى من لا يصلح للقضاء مع وجود الصالح له والعلم بالحال أثم المولي بكسر اللام والمولى بفتحها، ولا ينفذ قضاؤه وإن أصاب فيه. هذا هو الأصل في الباب، (فإن تعذر) في رجل (جمع هذه الشروط) السابقة (فولى سلطان له شوكة فاسقا) مسلما (أو مقلدا، نفذ) - بالمعجمة - (قضاؤه للضرورة) لئلا تتعطل مصالح الناس.
تنبيه: أفهم تقييده بالفاسق - أي المسلم كما قدرته في كلامه - أنه لا ينفذ من المرأة والكافر إذا وليا بالشوكة، واستظهره الأذرعي، لكن صرح ابن عبد السلام بنفوذه من الصبي والمرأة دون الكافر، وهذا هو الظاهر. ومعلوم أنه يشترط في غير الأهل طرف من الأحكام. وللعادل أن يتولى القضاء من الأمير الباغي، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك لمن استقضاه زياد، فقالت: إن لم يقض لهم خيارهم قضى لهم شرارهم. (ويندب للإمام إذا ولى قاضيا أن يأذن له في الاستخلاف) ليكون أسهل له وأسرع إلى فصل الخصومات، ويتأكد عند اتساع العمل وكثرة الرعية .
(فإن نهاه) عن الاستخلاف (لم يستخلف) ويقتصر على ما يمكنه إن كانت توليته أكثر لأنه منه لم يرض بنظر غيره، فإن استخلف لم ينفذ حكم خليفته، فإن تراضى الخصمان بحكمه التحق بالمحكم كما في الروضة وأصلها، وإن عين له من يستخلفه وليس بأهل لم يكن له استخلافه لفساده ولا غيره لعدم الإذن.
تنبيه: لو قال: وليتك القضاء على أن تستخلف فيه ولا تنظر فيه بنفسك، قال الماوردي: هذا تقليد اختيار
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548