تنبيه: أشعر اقتصار المصنف على الأدلة الأربعة أنه لا يشترط معرفة الأدلة المختلف فيها، كالاخذ بأقل ما قبل وكالاستصحاب، وليس مرادا، بل لا بد أيضا من معرفتها. وبأنه لا يشترط معرفة أصول الاعتقاد، وليس مرادا أيضا ، فقد حكى في الروضة كأصلها عن الأصحاب اشتراطه. وبأنه لا يشترط فيه الكتابة، وهو الأصح، لأنه (ص) كان أميا لا يقرأ ولا يكتب. وقيل: يشترط، وصححه الجرجاني، وقال الزركشي: إنه المختار في هذا الزمان، لأنه يحتاج أن يكتب لغيره ويكتب إليه، وإذا قرئ عليه شئ ربما حرف القارئ بخلاف الذين كانوا عند النبي (ص)، ولان عدم الكتابة في حقه معجزة، وفي حق غيره منقصة. وبأنه لا يشترط فيه معرفة الحساب لتصحيح المسائل الحسابية الفقهية، وهو كذلك كما صوبه في المطلب، لأن الجهل به لا يوجب الخلل في غير تلك المسائل، والإحاطة بجميع الأحكام لا تشترط. ثم اجتماع هذه العلوم إنما يشترط في المجتهد المطلق، وهو الذي يفتي في جميع أبواب الشرع، وأما المقيد بمذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه. وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع، ولهذا ليس له أن يعدل عن نص إمامه، كما لا يسوغ الاجتهاد مع النص. قال ابن دقيق العيد: ولا يخلو العصر عن مجتهد إلا إذا تداعى الزمان وقربت الساعة، وأما قول الغزالي والقفال: إن العصر خلا عن المجتهد المستقل، فالظاهر أن المراد مجتهد قائم بالقضاء فإن العلماء يرغبون عنه وهذا ظاهر لا شك فيه، أو كيف يمكن القضاء على الاعصار بخلوها عن المجتهد والقفال نفسه كان يقول للسائل في مسألة الصبر: أتسألني عن مذهب الشافعي أم ما عندي؟ وقال: هو والشيخ أبو علي والقاضي الحسين والأستاذ أبو إسحاق وغيرهم أسناد مقلدين للشافعي، بل وافق رأينا رأيه. فما هذا كلام من يدعي زوال رتبة الاجتهاد. وقال: ابن الصلاح وإمام الحرمين والغزالي والشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الأئمة المجتهدين في المذهب.
فروع: يجوز أن يتبعض الاجتهاد بأن يكون العالم مجتهدا في باب دون باب، فيكفيه علم ما يتعلق بالباب الذي يجتهد فيه. ويندب أن يكون من يتولى القضاء من قريش. ومراعاة العلم والتقى أولى من مراعاة النسب. وأن يكون ذا حلم وتثبت ولين وفطنة ويقظة وكتابة وصحة حواس وأعضاء. وأن يكون عارفا بلغة البلد الذي يقضي لأهله، قنوعا سليما من الشحناء، صدوقا، وافر العقل، ذا وقار وسكينة. وإذا عرف الإمام أهلية أحد ولاه، وإلا بحث عن حاله كما اختبر النبي (ص) معاذا. ولو ولى من لا يصلح للقضاء مع وجود الصالح له والعلم بالحال أثم المولي بكسر اللام والمولى بفتحها، ولا ينفذ قضاؤه وإن أصاب فيه. هذا هو الأصل في الباب، (فإن تعذر) في رجل (جمع هذه الشروط) السابقة (فولى سلطان له شوكة فاسقا) مسلما (أو مقلدا، نفذ) - بالمعجمة - (قضاؤه للضرورة) لئلا تتعطل مصالح الناس.
تنبيه: أفهم تقييده بالفاسق - أي المسلم كما قدرته في كلامه - أنه لا ينفذ من المرأة والكافر إذا وليا بالشوكة، واستظهره الأذرعي، لكن صرح ابن عبد السلام بنفوذه من الصبي والمرأة دون الكافر، وهذا هو الظاهر. ومعلوم أنه يشترط في غير الأهل طرف من الأحكام. وللعادل أن يتولى القضاء من الأمير الباغي، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك لمن استقضاه زياد، فقالت: إن لم يقض لهم خيارهم قضى لهم شرارهم. (ويندب للإمام إذا ولى قاضيا أن يأذن له في الاستخلاف) ليكون أسهل له وأسرع إلى فصل الخصومات، ويتأكد عند اتساع العمل وكثرة الرعية .
(فإن نهاه) عن الاستخلاف (لم يستخلف) ويقتصر على ما يمكنه إن كانت توليته أكثر لأنه منه لم يرض بنظر غيره، فإن استخلف لم ينفذ حكم خليفته، فإن تراضى الخصمان بحكمه التحق بالمحكم كما في الروضة وأصلها، وإن عين له من يستخلفه وليس بأهل لم يكن له استخلافه لفساده ولا غيره لعدم الإذن.
تنبيه: لو قال: وليتك القضاء على أن تستخلف فيه ولا تنظر فيه بنفسك، قال الماوردي: هذا تقليد اختيار