مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٢١
السنة في الرجل إذا رأى عينه سليمة وأحواله معتدلة يقول في نفسه ذلك، وكان القاضي يحصن تلامذته بذلك إذا استكثرهم. وذكر الإمام فخر الدين في بعض كتبه إن العين تؤثر ممن له نفس شريفة لأنها استعظام الشئ، وما رواه القاضي عن بعض الأنبياء يرد ذلك. قال الزركشي: وسكتوا عن القتل بالحال ولم أر فيه نقلا، وأفتى بعض المتأخرين بأنه يقتل إذا قتل به لأن له فيه اختيارا كالساحر، والصواب أنه لا يقتل به ولا بالدعاء عليه كما نقل ذلك عن جماعة من السلف. قال مهدي بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير أن مطرف بن عبد الله بن الشخير كان بينه وبين رجل كلام فكذب عليه، فقال مطرف: اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر ميتا فرفع ذلك إلى زياد فقال قتلت الرجل، فقال: لا، ولكنها دعوة وافقت أجلا. (ولو شهد لمورثه بجرح قبل الاندمال لم تقبل) للتهمة لأنه لو مات مورثه كان الأرش له فكأنه شهد لنفسه. قال أبو علي الفارقي: إلا أن يكون على المجروح دين يستغرق تركته فتقبل شهادته لأنه لا يجر بذلك لنفسه نفعا. وتبعه على ذلك تلميذه أبو سعيد بن أبي عصرون. قال الأسنوي: وفيه نظر لأن الدين لا يمنع الإرث، وربما يبرأ منه. وقال الأذرعي: فيه وقفة وتقوى فيما إذا كانت الديون لا يتصور الابراء منها كالزكوات والوقوف العامة أو كانت لطفل أو مجنون اه‍. والظاهر إطلاق كلام الأصحاب، لأن التهمة موجودة لاحتمال ظهور مال لمورثه مخفيا. قال الرافعي: وشهادتهم بتزكية الشهود كشهادتهم بالجرح.
تنبيه: أطلق الشيخان الجرح وقيده الإمام بجرح يمكن أن يفضي إلى الهلاك، وكلام المصنف قد يوهم اعتبار الإرث حالة الشهادة حتى لو كان محجوبا ثم زال المانع يقبل، والمذهب أنه لو مات قبل الحكم بشهادتهما بطلت أو بعده فلا (وبعده) أي الاندمال (يقبل) جزما لانتفاء التهمة حينئذ.
تنبيه: أطلق المصنف المورث وهو مقيد بغير أصله وفرعه كما يعلم من باب الشهادات، لأن شهادتهما لا تقبل مطلقا للبعضية. (وكذا) لو شهد لمورثه (بمال في مرض موته) تقبل (في الأصح) عند الأكثرين لما مر، والثاني لا تقبل كالجرح، وفرق الفارقي بينهما بأنهما إذا شهدا بالمال لم يحصل لهما نفع حال وجوبه، لأن الملك يحصل للمشهود له وينفذ تصرفه فيه في ملاذه وشهواته، وإذا شهدا له بالجراحة كان النفع حال الوجوب لهما لأن الدية قبل الموت لم تجب، وبعده تجب لهما، وفرق الرافعي بأن الجرح سبب الموت الناقل للحق، فإذا شهد بالجرح فكأنه شهد بالسبب الذي ثبت به الحق، وههنا بخلافه (ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل) أو قطع طرف خطأ أو شبه عمد (يحملونه) وقت الشهادة لأنهم يدفعون عن أنفسهم الغرم، فإن كانوا لا يحملونها وقت الشهادة نظرت، فإن كانوا من فقراء العاقلة فالنص ردها أيضا، أو من أباعدهم وفي الأقربين وفاء بالواجب فالنص قبولها. والفرق أن المال غاد ورائح، والغني غير مستبعد فتحصل التهمة، وموت القريب كالمستبعد في الاعتقاد فلا تتحقق التهمة بمثله، واحترز المصنف بقوله قتل يحملونه عما لو شهدوا بفسق بينة القتل العمد وبينة الاقرار بالقتل فإنها مقبولة لعدم التهمة، إذ لا تحمل.
تنبيه: لو قال: ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود ما تحمله ليدخل ما قدرته في كلامه لكان أولى. واعلم أنه يشترط في الشهادة السلامة من التكاذب. (و) حينئذ (لو شهد اثنان على اثنين بقتله) أي شخص (فشهدا) أي المشهود عليهما مبادرة (على الأولين) أو غيرهما (بقتله فإن صدق الولي الأولين حكم بهما) لسلامة شهادتهما عن التهمة وسقطت شهادة الآخرين لأنهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما القتل الذي شهد به الأولان، والدافع متهم في شهادته.
تنبيه: قضية كلامه أن الأولين إنما يحكم بشهادتهما إذا صدقهما الولي، وليس مرادا، بل يشترط عدم
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548