السنة في الرجل إذا رأى عينه سليمة وأحواله معتدلة يقول في نفسه ذلك، وكان القاضي يحصن تلامذته بذلك إذا استكثرهم. وذكر الإمام فخر الدين في بعض كتبه إن العين تؤثر ممن له نفس شريفة لأنها استعظام الشئ، وما رواه القاضي عن بعض الأنبياء يرد ذلك. قال الزركشي: وسكتوا عن القتل بالحال ولم أر فيه نقلا، وأفتى بعض المتأخرين بأنه يقتل إذا قتل به لأن له فيه اختيارا كالساحر، والصواب أنه لا يقتل به ولا بالدعاء عليه كما نقل ذلك عن جماعة من السلف. قال مهدي بن ميمون: حدثنا غيلان بن جرير أن مطرف بن عبد الله بن الشخير كان بينه وبين رجل كلام فكذب عليه، فقال مطرف: اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر ميتا فرفع ذلك إلى زياد فقال قتلت الرجل، فقال: لا، ولكنها دعوة وافقت أجلا. (ولو شهد لمورثه بجرح قبل الاندمال لم تقبل) للتهمة لأنه لو مات مورثه كان الأرش له فكأنه شهد لنفسه. قال أبو علي الفارقي: إلا أن يكون على المجروح دين يستغرق تركته فتقبل شهادته لأنه لا يجر بذلك لنفسه نفعا. وتبعه على ذلك تلميذه أبو سعيد بن أبي عصرون. قال الأسنوي: وفيه نظر لأن الدين لا يمنع الإرث، وربما يبرأ منه. وقال الأذرعي: فيه وقفة وتقوى فيما إذا كانت الديون لا يتصور الابراء منها كالزكوات والوقوف العامة أو كانت لطفل أو مجنون اه. والظاهر إطلاق كلام الأصحاب، لأن التهمة موجودة لاحتمال ظهور مال لمورثه مخفيا. قال الرافعي: وشهادتهم بتزكية الشهود كشهادتهم بالجرح.
تنبيه: أطلق الشيخان الجرح وقيده الإمام بجرح يمكن أن يفضي إلى الهلاك، وكلام المصنف قد يوهم اعتبار الإرث حالة الشهادة حتى لو كان محجوبا ثم زال المانع يقبل، والمذهب أنه لو مات قبل الحكم بشهادتهما بطلت أو بعده فلا (وبعده) أي الاندمال (يقبل) جزما لانتفاء التهمة حينئذ.
تنبيه: أطلق المصنف المورث وهو مقيد بغير أصله وفرعه كما يعلم من باب الشهادات، لأن شهادتهما لا تقبل مطلقا للبعضية. (وكذا) لو شهد لمورثه (بمال في مرض موته) تقبل (في الأصح) عند الأكثرين لما مر، والثاني لا تقبل كالجرح، وفرق الفارقي بينهما بأنهما إذا شهدا بالمال لم يحصل لهما نفع حال وجوبه، لأن الملك يحصل للمشهود له وينفذ تصرفه فيه في ملاذه وشهواته، وإذا شهدا له بالجراحة كان النفع حال الوجوب لهما لأن الدية قبل الموت لم تجب، وبعده تجب لهما، وفرق الرافعي بأن الجرح سبب الموت الناقل للحق، فإذا شهد بالجرح فكأنه شهد بالسبب الذي ثبت به الحق، وههنا بخلافه (ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل) أو قطع طرف خطأ أو شبه عمد (يحملونه) وقت الشهادة لأنهم يدفعون عن أنفسهم الغرم، فإن كانوا لا يحملونها وقت الشهادة نظرت، فإن كانوا من فقراء العاقلة فالنص ردها أيضا، أو من أباعدهم وفي الأقربين وفاء بالواجب فالنص قبولها. والفرق أن المال غاد ورائح، والغني غير مستبعد فتحصل التهمة، وموت القريب كالمستبعد في الاعتقاد فلا تتحقق التهمة بمثله، واحترز المصنف بقوله قتل يحملونه عما لو شهدوا بفسق بينة القتل العمد وبينة الاقرار بالقتل فإنها مقبولة لعدم التهمة، إذ لا تحمل.
تنبيه: لو قال: ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود ما تحمله ليدخل ما قدرته في كلامه لكان أولى. واعلم أنه يشترط في الشهادة السلامة من التكاذب. (و) حينئذ (لو شهد اثنان على اثنين بقتله) أي شخص (فشهدا) أي المشهود عليهما مبادرة (على الأولين) أو غيرهما (بقتله فإن صدق الولي الأولين حكم بهما) لسلامة شهادتهما عن التهمة وسقطت شهادة الآخرين لأنهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما القتل الذي شهد به الأولان، والدافع متهم في شهادته.
تنبيه: قضية كلامه أن الأولين إنما يحكم بشهادتهما إذا صدقهما الولي، وليس مرادا، بل يشترط عدم