مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٣٢
إن كثرت الحروب كأن ظهر أهل الفساد أو البغاة فالأشجع أحق، لأن الحاجة دعت إلى زيادة الشجاعة، أو كثرت البدع فالأعلم أحق، لأن الحاجة دعت إلى زيادة العلم، فإن استويا أفرع وإن لم يتنازعا كما هو قضية كلام ابن المقري لأن فيأهما للمسلمين لا لهما لعدم الترجيح، وقيل: يقدم أهل العقد والحل من شاءوا بلا فرعة، ولو تنازعاها لم يقدح فيهما تنازعها، لأن طلبها ليس مكروها (و) ثالثها (باستيلاء) شخص متغلب على الإمامة (جامع للشروط) المعتبرة في الإمامة على الملك بقهر وغلبة بعد موت الإمام لينتظم شمل المسلمين. أما الاستيلاء على الحي فإن كان الحي متغلبا انعقدت إمامة المتغلب عليه، وإن كان إماما ببيعة أو لم تنعقد إمامة المتغلب عليه (وكذا فاسق وجاهل) تنعقد إمامة كل منهما مع وجود بقية الشروط بالاستيلاء (في الأصح) وإن كان عاصيا بذلك لما مر، والثاني المنع لفقد الشروط.
تنبيه: كلامه يفهم أن الخلاف إنما يجري في حال اجتماع الفسق والجهل، لكن عبارة الروضة وأصلها مشعرة بجريان الخلاف عند انفراد كل منهما، وهو الظاهر كما قاله الدميري، فإن جعلت الواو في كلام المصنف بمعنى أو كما قررت به كلامه فلا مخالفة، ولا يختص هذا كما قال الزركشي بالفسق والجهل، بل سائر الشروط إذا فقد واحد منها كذلك كالعبد والمرأة والصبي المميز. قال الدميري: ولى الأكنان وهو في بطن أمه حين مات أبوه ولم يكن له ولد وضعوا التاج على بطن أمه وعقدوا لحملها اللواء فولدت ذكرا فملكهم إلى أن مات. نعم الكافر إذا تغلب لا تنعقد إمامته لقوله تعالى * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * وقول الشيخ عز الدين: ولو استولى الكفار على إقليم فولوا القضاء رجلا مسلما، فالذي يظهر انعقاده ليس بظاهر، فإنه قال: لو ابتلى الناس بولاية صبي مميز يرجع للعقلاء أو امرأة هل ينفذ تصرفها العام فيما يوافق الحق كتولية القضاء والولاة فيه وقفة اه‍. فإذا كان عنده وقفة في ذلك فالكافر أولى.
فروع: تجب طاعة الإمامة وإن كان جائرا فيما يجوز من أمره ونهيه لخبر: اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف ولان المقصود من نصبه اتحاد الكلمة، ولا يحصل ذلك إلا بوجوب الطاعة، وتجب نصيحته للرعية بحسب قدرته، ولا يجوز عقدها لإمامين فأكثر ولو بأقاليم ولو تباعدت لما في ذلك من اختلاف الرأي وتفرق الشمل فإن عقدت لاثنين معا بطلتا أو مرتبا انعقدت للسابق كما في النكاح على امرأة، ويعزز الثاني ومبايعوه إن علموا ببيعة السابق لارتكابهم محرما. فإن قيل ورد في مسلم: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما فكيف يقال بالتعزيز فقط؟ أجيب بأن معنى الحديث لا تطيعوه فيكون كمن قتل، وقيل: معناه أنه إن أصر فهو باغ يقاتل، فإن علم سبق وجهل بطل العقدان كما مر نظيره من الجمعة والنكاح، وإن علم السابق ثم نسي وقف الامر رجاء الانكشاف، فإن أضر الوقف بالمسلمين عقد لأحدهما لا لغيرهما، لأن عقدها لهما أوجب صرفها عن غيرهما وإن بطل عقداهما بالاضرار، وخالف البلقيني الشيخين في ذلك وقال بجواز عقدها لغيرهما والحق في الإمامة للمسلمين لا لهما فلا تسمع دعوى أحدهما السبق وإن أقر به أحدهما للآخر بطل حقه ولا يثبت الحق للآخر إلا ببينة، ويجوز تسمية الإمام خليفة، وخليفة رسول الله (ص)، وأمير المؤمنين. قال البغوي: وإن كان فاسقا، وأول من سمي به عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ولا يجوز تسميته بخليفة الله تعالى، لأنه إنما يستخلف من يغيب ويموت والله تعالى منزه عن ذلك. قال المصنف في شرح مسلم: ولا يسمى أحد خليفة الله بعد آدم وداود عليهما السلام. وعن ابن مليكة أن رجلا قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: يا خليفة الله، فقال: أنا خليفة محمد (ص) وأنا راض بذلك. ولا يجوز خلع الإمام ما لم تختل الصفات فيه، ولا يصير الشخص إماما بتفرده بشروط الإمامة في وقته، بل لا بد من أحد الطرق كما حكاه الماوردي عن الجمهور، وقيل يصير من غير عقد، حكاه القمولي. قال: ومن الفقهاء من ألحق القاضي بالإمام في ذلك. وقال الإمام: لو شغر الزمان عن الإمام انتقلت أحكامه إلى أعلم أهل ذلك الزمان (قلت) كما قال الرافعي
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548