إن كثرت الحروب كأن ظهر أهل الفساد أو البغاة فالأشجع أحق، لأن الحاجة دعت إلى زيادة الشجاعة، أو كثرت البدع فالأعلم أحق، لأن الحاجة دعت إلى زيادة العلم، فإن استويا أفرع وإن لم يتنازعا كما هو قضية كلام ابن المقري لأن فيأهما للمسلمين لا لهما لعدم الترجيح، وقيل: يقدم أهل العقد والحل من شاءوا بلا فرعة، ولو تنازعاها لم يقدح فيهما تنازعها، لأن طلبها ليس مكروها (و) ثالثها (باستيلاء) شخص متغلب على الإمامة (جامع للشروط) المعتبرة في الإمامة على الملك بقهر وغلبة بعد موت الإمام لينتظم شمل المسلمين. أما الاستيلاء على الحي فإن كان الحي متغلبا انعقدت إمامة المتغلب عليه، وإن كان إماما ببيعة أو لم تنعقد إمامة المتغلب عليه (وكذا فاسق وجاهل) تنعقد إمامة كل منهما مع وجود بقية الشروط بالاستيلاء (في الأصح) وإن كان عاصيا بذلك لما مر، والثاني المنع لفقد الشروط.
تنبيه: كلامه يفهم أن الخلاف إنما يجري في حال اجتماع الفسق والجهل، لكن عبارة الروضة وأصلها مشعرة بجريان الخلاف عند انفراد كل منهما، وهو الظاهر كما قاله الدميري، فإن جعلت الواو في كلام المصنف بمعنى أو كما قررت به كلامه فلا مخالفة، ولا يختص هذا كما قال الزركشي بالفسق والجهل، بل سائر الشروط إذا فقد واحد منها كذلك كالعبد والمرأة والصبي المميز. قال الدميري: ولى الأكنان وهو في بطن أمه حين مات أبوه ولم يكن له ولد وضعوا التاج على بطن أمه وعقدوا لحملها اللواء فولدت ذكرا فملكهم إلى أن مات. نعم الكافر إذا تغلب لا تنعقد إمامته لقوله تعالى * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * وقول الشيخ عز الدين: ولو استولى الكفار على إقليم فولوا القضاء رجلا مسلما، فالذي يظهر انعقاده ليس بظاهر، فإنه قال: لو ابتلى الناس بولاية صبي مميز يرجع للعقلاء أو امرأة هل ينفذ تصرفها العام فيما يوافق الحق كتولية القضاء والولاة فيه وقفة اه. فإذا كان عنده وقفة في ذلك فالكافر أولى.
فروع: تجب طاعة الإمامة وإن كان جائرا فيما يجوز من أمره ونهيه لخبر: اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف ولان المقصود من نصبه اتحاد الكلمة، ولا يحصل ذلك إلا بوجوب الطاعة، وتجب نصيحته للرعية بحسب قدرته، ولا يجوز عقدها لإمامين فأكثر ولو بأقاليم ولو تباعدت لما في ذلك من اختلاف الرأي وتفرق الشمل فإن عقدت لاثنين معا بطلتا أو مرتبا انعقدت للسابق كما في النكاح على امرأة، ويعزز الثاني ومبايعوه إن علموا ببيعة السابق لارتكابهم محرما. فإن قيل ورد في مسلم: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما فكيف يقال بالتعزيز فقط؟ أجيب بأن معنى الحديث لا تطيعوه فيكون كمن قتل، وقيل: معناه أنه إن أصر فهو باغ يقاتل، فإن علم سبق وجهل بطل العقدان كما مر نظيره من الجمعة والنكاح، وإن علم السابق ثم نسي وقف الامر رجاء الانكشاف، فإن أضر الوقف بالمسلمين عقد لأحدهما لا لغيرهما، لأن عقدها لهما أوجب صرفها عن غيرهما وإن بطل عقداهما بالاضرار، وخالف البلقيني الشيخين في ذلك وقال بجواز عقدها لغيرهما والحق في الإمامة للمسلمين لا لهما فلا تسمع دعوى أحدهما السبق وإن أقر به أحدهما للآخر بطل حقه ولا يثبت الحق للآخر إلا ببينة، ويجوز تسمية الإمام خليفة، وخليفة رسول الله (ص)، وأمير المؤمنين. قال البغوي: وإن كان فاسقا، وأول من سمي به عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ولا يجوز تسميته بخليفة الله تعالى، لأنه إنما يستخلف من يغيب ويموت والله تعالى منزه عن ذلك. قال المصنف في شرح مسلم: ولا يسمى أحد خليفة الله بعد آدم وداود عليهما السلام. وعن ابن مليكة أن رجلا قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: يا خليفة الله، فقال: أنا خليفة محمد (ص) وأنا راض بذلك. ولا يجوز خلع الإمام ما لم تختل الصفات فيه، ولا يصير الشخص إماما بتفرده بشروط الإمامة في وقته، بل لا بد من أحد الطرق كما حكاه الماوردي عن الجمهور، وقيل يصير من غير عقد، حكاه القمولي. قال: ومن الفقهاء من ألحق القاضي بالإمام في ذلك. وقال الإمام: لو شغر الزمان عن الإمام انتقلت أحكامه إلى أعلم أهل ذلك الزمان (قلت) كما قال الرافعي