شرطين، وجعل المطاع قيدا في الشوكة (قيل و) يشترط (إمام منصوب) فيهم حتى لا تتعطل الأحكام بينهم، وهذا ما نسبه الرافعي للجديد ونسبه الإمام للمعظم، وجزم به جمع كثير.
تنبيهان: أحدهما: كلام المصنف يوهم اعتبار وجود شخصين على هذا الوجه، وليس مرادا بل المراد أنه لا بد من مطاع، وهل يشترط أن يكون منصوبا فيه؟ وجهان: أصحهما عند الأكثرين المنع، لأن عليا رضي الله تعالى عنه قاتل أهل الجمل ولا إمام لهم وأهل صفين قبل نصب إمامهم، وسكت المصنف عن شرط آخر وهو انفراد البغاة ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء كما نقله في الروضة وأصلها عن جمع، وحكى الماوردي الاتفاق عليه. الثاني ليس أهل البغي بفسقة كما أنهم ليسوا بكفرة لأنهم إنما خالفوا بتأويل جائز باعتقادهم لكنهم مخطئون فيه، وليس اسم البغي ذما، والأحاديث الواردة فيما يقتضي ذمهم كحديث: من حمل علينا السلاح فليس منا وحديث: من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه، وحديث: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية محمول على من خرج عن الطاعة بلا تأويل أو بتأويل فاسد قطعا، فإن فقدت فيهم الشروط المذكورة بأن خرجوا بلا تأويل كما نعي حق الشرع كالزكاة عنادا أو بتأويل يقطع بفساده كتأويل المرتدين، ومانعي حق الشرع كالزكاة الآن والخوارج أو لم يكن لهم شوكة بأن كانوا أفرادا يسهل الظفر بهم، أوليس فيهم مطاع فليسوا بغاة لانتفاء حرمتهم فيترتب على أفعالهم مقتضاها، ولان ابن ملجم قتل عليا متأولا بأنه وكيل امرأة قتل علي أباها فاقتص منه، ولم يعط حكمهم في سقوط القصاص لانتفاء شوكته. (ولو أظهر قوم رأي الخوارج) وهم قوم من المبتدعة يكفرون من ارتكب كبيرة ويطعنون بذلك في الأئمة ولا يحضرون معهم الجمعة والجماعات كما إشار إلى ذلك بقوله (كترك الجماعات وتكفير ذي) أي صاحب (كبيرة) ولم نكفرهم بذلك كما هو الأصح (ولم يقاتلوا) وهم في قبضتنا كما في المحرر والشرح والروضة (تركوا) فلا نتعرض لهم، سواء كانوا بيننا أم امتازوا بموضع عنا لكن لم يخرجوا عن طاعة الإمام كما قاله الأذرعي ولم يفسقوا بذلك ما لم يقاتلوا، لأن اعتقادهم أن من أتى كبيرة كفر وحبط عمله وخلد في النار، وإن دار الإمام صارت لظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة، فلذلك طعنوا في الأئمة ولم يصلوا خلفهم وتجنبوا الجمعة والجماعة، ولو صرحوا بسب الإمام أو غيره من أهل العدل غزروا لا إن عرضوا في الأصح، لأن عليا رضي الله تعالى عنه سمع رجلا من الخوارج، يقول: لا حكم إلى الله ورسوله، وعرض بتخطئته في الحكم. فقال: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال، فجعل حكمهم حكم أهل العدل.
تنبيه: محل عدم التعرض لهم إذا لم نتضرر بهم، فإن تضررنا بهم تعرضنا لهم حتى يزول الضرر كما قاله القاضي عن الأصحاب (وإلا) بأن قاتلونا أو لم يكونوا في قبضتنا (فقطاع) أي فحكمهم إن لم نكفرهم وهو الأصح كما سبق كحكم قطاع (طريق) فإن قتلوا أحدا ممن يكافئهم اقتص منهم كغيرهم، لا أنهم قطاع طريق كما يفهمه كلام المصنف فلا يتحتم قتلهم، وإن كانوا كقطاع الطريق في شهر السلاح، لأنهم لم يقصدوا إخافة الطريق. ثم شرع في حكم البغاة بقوله (وتقبل شهادة البغاة) لأنهم ليسوا بفسقة كما مر لتأويلهم. قال الشافعي رضي الله عنه إلا أن يكونوا ممن يشهدون لموافقيهم بتصديقه كالخطابية، وهم صنف من الرافضة يشهدون بالزور ويقضون به لموافقيهم بتصديقهم فلا تقبل شهادتهم ولا ينفذ حكم قاضيهم، ولا يختص هذا بالبغاة كما سيأتي في الشهادات، وسيأتي فيها أنهم إن بينوا السبب أن شهادتهم تقبل لانتفاء التهمة حينئذ (و) يقبل (قضاء قاضيهم) بعد اعتبار صفات القاضي فيه (فيما يقبل) فيه (قضاء قاضينا) لأن لهم تأويلا يسوغ فيه الاجتهاد (إلا أن يستحل) شاهد البغاة أو قاضيهم (دماءنا) وأموالنا فلا تقبل شهادته ولا قضاؤه، لأنه ليس بعدل، وشرط الشاهد والقاضي العدالة.