الساحر برءه من ذلك المرض واحتمل برؤه بأن مضت مدة يحتمل برؤه فيها صدق بيمينه، وإن قال: قتلت بسحري ولم يعين أحدا عزر لارتكابه محرما، ولا قصاص عليه ولا حد، لأن المستحق غير معين.
تنبيه: السحر لغة: صرف الشئ عن وجهه، يقال ما سحرك عن كذا: أي صرفك عنه. واصطلاحا مزاولة النفوس الخبيثة لافعال وأقوال يترتب عليها أمور خارقة للعادة، واختلف فيه هل هو تخييل أو حقيقة؟ قال بالأول المعتزلة، واستدلوا بقوله * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * وقال بالثاني أهل السنة، ويدل لذلك الكتاب والسنة الصحيحة، والساحر قد يأتي بفعل أو قول يتغير به حال المسحور فيمرض ويموت منه، وقد يكون ذلك بوصول شئ إلى بدنه من دخان أو غيره، وقد يكون دونه، ويفرق به بين الزوجين، ويكفر معتقد إباحته، فإن تعمده تعليما، أو تعلما، أو فعلا أثم فكل منها حرام لخوف الافتتان والاضرار بالناس خلافا لابن أبي هريرة في قوله:
يجوز تعلمه وتعليمه للوقوف عليه لا للعمل به بل إن احتيج فيها إلى تقديم اعتقاد مكفر كفر. قال إمام الحرمين: ولا يظهر السحر إلا على فاسق، ولا تظهر الكرامة على فاسق، وليس ذلك بمقتضى العقل بل مستفاد من إجماع الأمة . و (لا) يثبت السحر (ببينة) لأن الشاهد لا يعلم قصد الساحر ولا يشاهد تأثير سحره.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أنه لا مدخل للبينة في ذلك أصلا. لكن في الكفاية أن ما ينشأ عن ذلك السحر يثبت بالبينة أيضا: كما لو قال سحرته بنوع كذا، فشهد عدلان كانا ساحرين ثم تابا بأن هذا النوع يقتل غالبا أو نادرا فيثبت بما يشهدان به.
فائدة: لم يبلغ أحد من السحر إلى الغاية التي وصل إليها القبط أيام دلوكا ملكة مصر بعد فرعون، فإنهم وضعوا السحر على البرابي وصوروا فيها صور عساكر الدنيا، أي عسكر قصدهم أتوا إلى ذلك العسكر المصور فما فعلوه به من قلع الأعين وقطع الأعضاء اتفق نظيره للعسكر العامد لهم فيخاف منهم العساكر، وأقاموا ستمائة سنة بمصر بعد غرق فرعون وجنوده تهابهم الملوك والامراء. قال الدميري: حكاه القرافي وغيره. وذهب قوم إلى أن الساحر يقلب بسحره الأعيان ويجعل الانسان حمارا بحسب قوة السحر. قال الدميري: وهذا واضح البطلان، لأنه لو قدر على هذا لقدر أن يرد بنفسه إلى الشباب بعد الهرم. وأن يمنع نفسه من الموت. ومن جملة أنواعه السيمياء وأما الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل والحصى والشعير والشعبذة فحرام تعليما وتعلما وفعلا، وكذا إعطاء العوض أو أخذه عنها بالنص الصحيح في حلوان الكاهن، والباقي بمعناه والكاهن من يخبر بواسطة النجم عن المغيبات في المستقبل بخلاف العراف فإنه الذي يخبر عن المغيبات الواقعة كعين السارق ومكان المسروق والضالة. قال في الروضة: ولا يغتر بجهالة من يتعاطى الرمل وإن نسب إلى علم. وأما الحديث الصحيح: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك فمعناه من علمتم موافقته له فلا بأس، ونحن لا نعلم الموافقة فلا يجوز لنا ذلك.
فرع: لو اعترف شخص بقتله إنسانا بالعين فلا ضمان ولا كفارة، وإن كانت العين حقا لخبر مسلم: العين حق ، ولو كان شئ سابق القدر سبقته العين لأنها لا تفضي إلى القتل غالبا، ويسن للعائن أن يدعو للمعين - بفتح الميم - بالمأثور وهو: اللهم بارك فيه ولا تضره، وأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. قال في الروضة: وأن يغسل داخل إزاره مما يلي الجلد بماء، وعبارة ابن المقري وأن يغسل جلده مما يلي إزاره بماء، ثم يصب على المعين. قيل: وينبغي للسلطان منع من عرف بذلك من مخالطة الناس ويأمره بلزوم بيته ويرزقه ما يكفيه إن كان فقيرا فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر رضي الله تعالى عنه من مخالطة الناس. وذكر القاضي حسين أن نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام استكثر قومه ذات يوم فأمات الله منهم مائة ألف في ليلة واحدة، فلما أصبح شكا إلى الله تعالى ذلك فقال الله تعالى: إنك استكثرتهم فأعنتهم، فهلا حصنتهم حين استكثرتهم، فقال: يا رب كيف أحصنهم؟ فقال تعالى تقول:
حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنكم السوء بألف لا حول ولا قوة إلا بالله. قال القاضي: وهكذا