إجراء الخلاف للمعنى، واحتمل أن لا يجري، لأن أصلها معلوم. قال: ولم أر من تعرض لذلك اه. وإجراء الخلاف أوجه. (و) رابعها ما تضمنه قوله (إنما تسمع) الدعوى (من مكلف) أي بالغ عاقل حالة الدعوى، فلا تسمع دعوى صبي ولا مجنون، ولا يضر كونه صبيا، أو مجنونا، أو أجنبيا حالة القتل إذا كان بصفة الكمال عند الدعوى، لأنه قد يعلم الحال بالتسامع، ويمكنه أن يحلف في مظنة الحلف إذا عرف ما يحلف عليه بإقرار الجاني أو سماع كلام من يثق به، كما لو اشترى عينا وقبضها فادعى رجل ملكها فله أن يحلف أنه لا يلزمه التسليم إليه اعتمادا على قول البائع.
أفهم اشتراطه التكليف أن السكران المتعدي بسكره لا تصح دعواه، فإنه عنده ليس بمكلف كما مر في الطلاق، وإلا لاستثناه كما استثناه في الطلاق. ويجاب بأنه سكت عنه لما علم من هناك، وأنه لا يشترط في المدعي الرشد فتصح دعوى السفيه كما صرح به في المحرر، لكن لا يقول في الدعوى: واستحق تسليم ذلك، بل يقول تسليمه إلى ولي (ملتزم) فلا تسمع من حربي لأنه لا يستحق قصاصا ولا غيره قال في المهمات: وما ذكره الشيخان من أن دعوى الحربي لا تسمع ذهول عن قواعد مذكورة في السير، فقد نصوا هنا على أن الحربي لو دخل بأمان وأودع عندنا مالا ثم عاد للاستيطان لم ينقض الأمان فيه على الصحيح، وذكر مسائل من ذلك، ولهذا قال الزركشي: إن الصواب حذف قيد الالتزام. ويجاب عن قول صاحب المهمات بأن ما هنا في حربي لا أمان له وما في السير في حربي له أمان، فلا مخالفة، وعن قول الزركشي بأن المراد بالملتزم من له أمان فيدخل المعاهدة فإنه لا توقف في سماع دعواه بماله الذي استحقه على مسلم أو ذمي أو مستأمن مثله، ولا في دعواه دم مورثه الذمي أو المستأمن. وخامسها أن تكون الدعوى (على) مدعى عليه (مثله) أي المدعى عليه في كونه مكلفا فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون، بل أن توجه على الصبي أو المجنون حق مالي ادعى مستحقه على وليهما، فإن لم يكن ولي حاضر فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب فلا تسمع، إلا أن يكون هناك بينة ويحتاج معها إلى يمين الاستظهار كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب القضاء على الغائب، فعلم من ذلك أن لا تنافي بين البابين، فما هنا محله عند حضور وليهما، وما هناك عند غيبته.
تنبيه: دخل في المكلف المحجور عليه بالسفه والفلس والرق، فتسمع الدعوى عليهم فيما يصح إقرارهم به فتسمع الدعوى على المحجور عليه بالسفه بالقتل، ثم إن كان هنا لوث سمعت مطلقا سواء أكان عمدا أم خطأ أم شبه عمد وإن لم يكن لوث فإن ادعى ما يوجب القصاص سمعت، لأن إقراره مقبول، وكذلك حد القذف فإن أقر أمضى حكمه، وإن نكل حلف المدعى واقتص، وإن ادعى خطأ أو شبه عمد لم تسمع، إذ لا يقبل إقراره بالاتلاف وتسمع على كل من المحجور عليه بفلس أو رق فيما يقبل إقراره فيه، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحرير ذلك في الدعاوى وأما كونه ملتزما فليس في المحرر والشرحين والروضة هنا تعرض له، وإنما فيها اشتراط التكليف خاصة. لكن إذا شرط الالتزام في المدعي، ففي المدعى عليه أولى. قال الزركشي: والظاهر أنه ليس بشرط هنا أيضا كما سبق انتهى. ويجاب عنه بما مر فتصح الدعوى على المستأمن وأما الحربي فإن لم يلزمه المدعى به لاتلافه في حال حرابته لم يسمع وإن أتلفه في حال التزامه، سمعت وهو إذ ذاك ليس بحربي. (و) سادسها أن لا تتناقض دعوى المدعى وحينئذ (لو ادعى) على شخص (انفراده بالقتل ثم ادعى على آخر) أنه شريكه أو منفرد (لم تسمع) الدعوى (الثانية) لما فيه من تكذيب الأولى ومناقضتها وسواء أقسم على الأولى ومضى الحكم فيه أم لا.
تنبيه: قد يفهم كلامه بقاء الدعوى الأولى بحالها وفيها تفصيل، وهو أنه إن كان قبل الحكم بها لم يمكن من العود إليها كما جزم به في الروضة وأصلها لأن الثانية تكذبها. وإن كان بعده مكن من العود إليها إلا أن يصرح بأنه ليس بقاتل. ومحل عدم سماع الثانية ما إذا لم يصدقه الثاني فإن صدقه فهو مؤاخذة بإقراره وتسمع الدعوى عليه على الأصح في أصل الروضة لأن الحق لا يعدوهما. (أو) ادعى (عمدا ووصفه بغيره) من خطأ أو شبه عمد وعكسه