الوطئ لزمه المهر كغيره، وبعضهم استثنى هذه المسألة من إطلاق المصنف نفي الضمان وهو ممنوع، لأن إتلاف البضع بالوطئ لا تعلق له بالقتال، والكلام إنما هو فيه. وأما الحربي إذا وطئ أمة غيره بلا شبهة فإن الولد يكون رقيقا، ولا نسب ولا حد عليه، ولا مهر إن كانت مكرهة على الوطئ، لأنه لم يلتزم الأحكام. واعلم أن ما سبق من نفي الضمان محله عند اجتماع الشوكة والتأويل، فإن فقد أحدهما فله حالان أشار إلى الأول بقوله: (و) الباغي (المتأول بلا شوكة) له (يضمن) النفس والمال ولو حال القتال كقاطع الطريق، ولأنا لو أسقطنا الضمان عنه لم تعجز كل شرذمة تريد إتلاف نفس ومال أن تبدي تأويلا وتفعل من الفساد ما تشاء، وفي ذلك بطلان السياسات، وأشار إلى الثاني بقوله: (وعكسه) وهو من له شوكة بلا تأويل حكمه (كباغ) في الضمان وعدمه، وتقدم أن الأظهر عدم الضمان في حال القتال لضرورته فكذا هنا لأن سقوط الضمان في الباغين لقطع الفتنة واجتماع الكلمة وهو موجود هنا، وخالف في ذلك البلقيني وقال: بالضمان.
تنبيه: ما ذكره المصنف من تنزيلهم منزلة البغاة هو بالنسبة للضمان كما قيدت به كلامه، لأنه السابق أولا، أما الحدود إذا أقاموها، أو الحقوق إذا قبضوها، فلا يعتد بها الانتفاء شرطهم. قال الشيخان: والتحكيم فيهم على الخلاف في غيرهم.
فرع: لو ارتدت طائفة لهم شوكة فأتلفوا مالا أو نفسا في القتال ثم تابوا وأسلموا هل يضمنون أولا كالبغاة؟
وجهان في أصل الروضة من غير ترجيح، والصحيح كما قال الأسنوي الأول لجنايتهم على الاسلام ونقله الماوردي عن النص في أكثر كتبه. وقال الأذرعي: إنه الوجه، ولا ينفذ قضاء قاضي المرتدين قطعا، قاله في أصل الروضة. ثم شرع المصنف في كيفية قتال البغاة فقال: (ولا يقاتل) الإمام (البغاة حتى يبعث إليهم أمينا فطنا) إن كان البعث للمناظرة كما قاله بعض المتأخرين (ناصحا) لهم، فإذا وصل إليهم (يسألهم ما ينقمون) أي يكرهون اقتداء ب علي رضي الله تعالى عنه فإنه بعث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى أهل النهروان فرجع بعضهم وأبى بعضهم.
تنبيه: ظاهر عبارته أن البعث واجب وهو ظاهر عبارة الشرحين أيضا، وصرح به ابن الصباغ وغيره، وقال في المطلب وهو ظاهر كلام الشافعي، وصرح به الأصحاب، وفي تعليق القاضي أبي الطيب أنه مستحب (فإن ذكروا مظلمة) هي سبب امتناعهم عن الطاعة، وهي إن كانت مصدرا ميميا فبفتح اللام وكسرها. وقال الزركشي: الفتح هو القياس، أو اسما لما يظلم به فالكسر فقط (أو شبهة أزالها) لأن المقصود بقتالهم ردهم إلى الطاعة ودفع شرهم كدفع الصائل دون قتلهم لقوله تعالى: * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) * أي ترجع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله (فإن أصروا) بعد الإزالة أو لم يذكروا شيئا (نصحهم) ووعظهم وخوفهم سوء عاقبة البغي، وأمرهم بالعود للطاعة، لأن ذلك أقرب إلى حصول المقصود (ثم) إن أصروا دعاهم إلى المناظرة، فإن لم يجيبوا أو أجابوا أو غلبوا في المناظرة وأصروا (آذنهم) بالمد، أي أعلمهم (بالقتال) لأن الله تعالى أمر أولا بالاصلاح ثم بالقتال، فلا يجوز تقديم ما أخره الله تعالى.
تنبيه: إنما يعلمهم بالقتال إذا علم أن في عسكره قوة وقدرة عليهم، وإلا أخره إلى أن تمكنه القوة عليهم، لأنه الاحتياط في ذلك كما نقله في البحر عن النص، وقتالهم حينئذ واجب لاجماع الصحابة عليه بأحد خمسة أمور كما قاله الماوردي: أن يتعرضوا لحريم أهل العدل، أو يتعطل جهاد الكفار بهم، أو يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم، أو يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم، أو يتظاهروا على خلع الإمام الذي قد انعقدت بيعته، فلو انفردوا عن الجماعة ولم يمنعوا حقا ولا تعدوا إلى ما ليس لهم جاز قتالهم لأجل تفريق الجماعة، ولا يجب لتظاهرهم بالطاعة (فإن استمهلوا) أي طلبوا الامهال من الإمام (اجتهد) فيه وفي عدمه (وفعل ما رآه صوابا) منهما، وإن ظهر له أن استمالهم للتأمل