مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٢٦
الوطئ لزمه المهر كغيره، وبعضهم استثنى هذه المسألة من إطلاق المصنف نفي الضمان وهو ممنوع، لأن إتلاف البضع بالوطئ لا تعلق له بالقتال، والكلام إنما هو فيه. وأما الحربي إذا وطئ أمة غيره بلا شبهة فإن الولد يكون رقيقا، ولا نسب ولا حد عليه، ولا مهر إن كانت مكرهة على الوطئ، لأنه لم يلتزم الأحكام. واعلم أن ما سبق من نفي الضمان محله عند اجتماع الشوكة والتأويل، فإن فقد أحدهما فله حالان أشار إلى الأول بقوله: (و) الباغي (المتأول بلا شوكة) له (يضمن) النفس والمال ولو حال القتال كقاطع الطريق، ولأنا لو أسقطنا الضمان عنه لم تعجز كل شرذمة تريد إتلاف نفس ومال أن تبدي تأويلا وتفعل من الفساد ما تشاء، وفي ذلك بطلان السياسات، وأشار إلى الثاني بقوله: (وعكسه) وهو من له شوكة بلا تأويل حكمه (كباغ) في الضمان وعدمه، وتقدم أن الأظهر عدم الضمان في حال القتال لضرورته فكذا هنا لأن سقوط الضمان في الباغين لقطع الفتنة واجتماع الكلمة وهو موجود هنا، وخالف في ذلك البلقيني وقال: بالضمان.
تنبيه: ما ذكره المصنف من تنزيلهم منزلة البغاة هو بالنسبة للضمان كما قيدت به كلامه، لأنه السابق أولا، أما الحدود إذا أقاموها، أو الحقوق إذا قبضوها، فلا يعتد بها الانتفاء شرطهم. قال الشيخان: والتحكيم فيهم على الخلاف في غيرهم.
فرع: لو ارتدت طائفة لهم شوكة فأتلفوا مالا أو نفسا في القتال ثم تابوا وأسلموا هل يضمنون أولا كالبغاة؟
وجهان في أصل الروضة من غير ترجيح، والصحيح كما قال الأسنوي الأول لجنايتهم على الاسلام ونقله الماوردي عن النص في أكثر كتبه. وقال الأذرعي: إنه الوجه، ولا ينفذ قضاء قاضي المرتدين قطعا، قاله في أصل الروضة. ثم شرع المصنف في كيفية قتال البغاة فقال: (ولا يقاتل) الإمام (البغاة حتى يبعث إليهم أمينا فطنا) إن كان البعث للمناظرة كما قاله بعض المتأخرين (ناصحا) لهم، فإذا وصل إليهم (يسألهم ما ينقمون) أي يكرهون اقتداء ب علي رضي الله تعالى عنه فإنه بعث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى أهل النهروان فرجع بعضهم وأبى بعضهم.
تنبيه: ظاهر عبارته أن البعث واجب وهو ظاهر عبارة الشرحين أيضا، وصرح به ابن الصباغ وغيره، وقال في المطلب وهو ظاهر كلام الشافعي، وصرح به الأصحاب، وفي تعليق القاضي أبي الطيب أنه مستحب (فإن ذكروا مظلمة) هي سبب امتناعهم عن الطاعة، وهي إن كانت مصدرا ميميا فبفتح اللام وكسرها. وقال الزركشي: الفتح هو القياس، أو اسما لما يظلم به فالكسر فقط (أو شبهة أزالها) لأن المقصود بقتالهم ردهم إلى الطاعة ودفع شرهم كدفع الصائل دون قتلهم لقوله تعالى: * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) * أي ترجع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله (فإن أصروا) بعد الإزالة أو لم يذكروا شيئا (نصحهم) ووعظهم وخوفهم سوء عاقبة البغي، وأمرهم بالعود للطاعة، لأن ذلك أقرب إلى حصول المقصود (ثم) إن أصروا دعاهم إلى المناظرة، فإن لم يجيبوا أو أجابوا أو غلبوا في المناظرة وأصروا (آذنهم) بالمد، أي أعلمهم (بالقتال) لأن الله تعالى أمر أولا بالاصلاح ثم بالقتال، فلا يجوز تقديم ما أخره الله تعالى.
تنبيه: إنما يعلمهم بالقتال إذا علم أن في عسكره قوة وقدرة عليهم، وإلا أخره إلى أن تمكنه القوة عليهم، لأنه الاحتياط في ذلك كما نقله في البحر عن النص، وقتالهم حينئذ واجب لاجماع الصحابة عليه بأحد خمسة أمور كما قاله الماوردي: أن يتعرضوا لحريم أهل العدل، أو يتعطل جهاد الكفار بهم، أو يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم، أو يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم، أو يتظاهروا على خلع الإمام الذي قد انعقدت بيعته، فلو انفردوا عن الجماعة ولم يمنعوا حقا ولا تعدوا إلى ما ليس لهم جاز قتالهم لأجل تفريق الجماعة، ولا يجب لتظاهرهم بالطاعة (فإن استمهلوا) أي طلبوا الامهال من الإمام (اجتهد) فيه وفي عدمه (وفعل ما رآه صوابا) منهما، وإن ظهر له أن استمالهم للتأمل
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548