مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ٢٥
الكافر لا يرث المسلم، فليس فيه تنصيص على أن المسلم لا يرث الكافر، وهي مسألة خلاف بين العلماء. فإن قيل: يرد على المصنف ما لو مات كافر عن زوجة حامل ووقفنا الميراث فأسلمت ثم ولدت، فإن الولد يرث منه مع حكمنا بإسلامه تبعا لامه. أجيب بأنه كان محكوما بكفره يوم موت أبيه، وقد ورث مذ كان حملا، ولهذا نقل السبكي عمن هو منسوب إلى التحقيق في الفقه موثوق به من معاصريه: أن لنا جمادا يملك وهو النطفة، واستحسنه السبكي. قال الدميري:
وفيه نظر إذا الجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانا. (و) ثانيها: الردة، كما قال: و (لا يرث مرتد) بحال، إذ لا سبيل إلى توريثه من مثله، لأن ما خلفه فئ، ولا من كافر أصلي للمنافاة بينهما لأنه لا يقر على دينه وذاك يقر، ولا من مسلم، للخبر المار، وإن عاد إلى الاسلام بعد موت مورثه. وما ادعاه ابن الرفعة من أنه إذا أسلم بعد موت مورثه أنه يرثه رده السبكي وقال: إنه مصادم للحديث وخرق للاجماع، قال: وممن نقل الاجماع على أن المرتد لا يرث من المسلم شيئا وإن أسلم بعد ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي. (ولا يورث) بحال، بل ماله يكون فيئا لبيت المال سواء اكتسبه في الاسلام أم في الردة، لكن لو قطع شخص طرف مسلم مع المكافأة فارتد المقطوع ومات سراية وجب قود الطرف ويستوفيه من كان وارثه لولا الردة، ومثله حد القذف. والزنديق كالمرتد فلا يرث ولا يورث، وهو من لم يتدين بدين، وكذا نصراني تهود أو نحوه. (ويرث الكافر الكافر) على حكم الاسلام (وإن اختلفت ملتهما) كيهودي من نصراني، ونصراني من مجوسي، ومجوسي من وثني وبالعكوس، لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة، قال تعالى: * (فماذا بعد الحق إلا الضلال) * فإن قيل: كيف يتصور إرث اليهودي من النصراني وعكسه، فإن الأصح أن من انتقل من ملة إلى ملة لا يقر أجيب بتصور ذلك في الولاء والنكاح وفي النسب أيضا فيما إذا كان أحد أبويه يهوديا والآخر نصرانيا إما بنكاح أو وطئ شبهة، فإنه يخير بينهما بعد البلوغ كما قاله الرافعي قبيل نكاح المشرك، حتى لو كان له ولدان واختار أحدهما اليهودية والآخر النصرانية جعل التوارث بينهما بالأبوة والأمومة والاخوة مع اختلاف الدين. (لكن المشهور) وعبر في الروضة بالمذهب وبه قطع الأكثرون، (أنه لا توارث بين حربي وذمي) لانقطاع الموالاة بينهما. والمعاهد والمستأمن كالذمي، فالتوارث بينهما وبينه وبين كل منهما لعصمته. ولو عبر بالمعاهد كان أولى، لأنه إذا كان لا توارث بين الحربي وبينه فلا توارث بينه وبين الذمي بالأولى. والثاني: يتوارثان لشمول الكفر لهما. (و) ثالثها: الرق، وهو لغة: العبودية والشئ الرقيق، وشرعا: عجز حكمي يقوم بالانسان بسبب الكفر. فعليه (لا يرث من فيه رق) من قن ومدبر ومكاتب وأم ولد ومبعض، لأنه لو ورث لكان الملك للسيد وهو أجنبي من الميت. واحتج السهيلي لذلك بقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم) * الآية، فإن اللام فيه للملك والرقيق لا يملك. وفي المبعض وجه أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية، وهو مخالف لنقل الشافعي في اختلاف الحديث الاجماع على عدم توريثه لأنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية، فلم يرث كالقن. ولا يورث أيضا الرقيق كله كما صرح به في المحرر، واستغنى المصنف عنه بقوله: (والجديد أن من بعضه حر) إذا مات عن مال ملكه ببعضه الحر، (يورث) عنه ذلك المال، لأنه تام الملك عليه كالحر فيرثه عنه قريبه الحر أو معتق بعضه وزوجته، ولا شئ لسيده لاستيفاء حقه مما اكتسبه بالرقية. والقديم أنه لا يورث ويكون ما ملكه لمالك الباقي.
تنبيه: استثني من كون الرقيق لا يورث كافر له أمان وجبت له جناية حال حريته وأمانة ثم نقض الأمان فسبي واسترق وحصلت السراية بالموت في حال رقه، فإن قدر الأرش من القيمة لورثته على الأصح. قال الزركشي: وليس لنا رقيق كله يورث إلا هذا. (و) رابعها: القتل، فعليه (لا) يرث (قاتل) من مقتوله مطلقا، لخبر الترمذي وغيره. وليس للقاتل شئ أي من الميراث، ولأنه لو ورث لم يؤمن أن يستعجل الإرث بالقتل فاقتضت المصلحة حرمانه، ولان القتل قطع الموالاة وهي سبب الإرث. وسواء أكان القتل عمدا أم غيره، مضمونا أم لا، بمباشرة أم لا، قصد مصلحته كضرب الأب
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460