الكافر لا يرث المسلم، فليس فيه تنصيص على أن المسلم لا يرث الكافر، وهي مسألة خلاف بين العلماء. فإن قيل: يرد على المصنف ما لو مات كافر عن زوجة حامل ووقفنا الميراث فأسلمت ثم ولدت، فإن الولد يرث منه مع حكمنا بإسلامه تبعا لامه. أجيب بأنه كان محكوما بكفره يوم موت أبيه، وقد ورث مذ كان حملا، ولهذا نقل السبكي عمن هو منسوب إلى التحقيق في الفقه موثوق به من معاصريه: أن لنا جمادا يملك وهو النطفة، واستحسنه السبكي. قال الدميري:
وفيه نظر إذا الجماد ما ليس بحيوان ولا كان حيوانا. (و) ثانيها: الردة، كما قال: و (لا يرث مرتد) بحال، إذ لا سبيل إلى توريثه من مثله، لأن ما خلفه فئ، ولا من كافر أصلي للمنافاة بينهما لأنه لا يقر على دينه وذاك يقر، ولا من مسلم، للخبر المار، وإن عاد إلى الاسلام بعد موت مورثه. وما ادعاه ابن الرفعة من أنه إذا أسلم بعد موت مورثه أنه يرثه رده السبكي وقال: إنه مصادم للحديث وخرق للاجماع، قال: وممن نقل الاجماع على أن المرتد لا يرث من المسلم شيئا وإن أسلم بعد ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي. (ولا يورث) بحال، بل ماله يكون فيئا لبيت المال سواء اكتسبه في الاسلام أم في الردة، لكن لو قطع شخص طرف مسلم مع المكافأة فارتد المقطوع ومات سراية وجب قود الطرف ويستوفيه من كان وارثه لولا الردة، ومثله حد القذف. والزنديق كالمرتد فلا يرث ولا يورث، وهو من لم يتدين بدين، وكذا نصراني تهود أو نحوه. (ويرث الكافر الكافر) على حكم الاسلام (وإن اختلفت ملتهما) كيهودي من نصراني، ونصراني من مجوسي، ومجوسي من وثني وبالعكوس، لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة، قال تعالى: * (فماذا بعد الحق إلا الضلال) * فإن قيل: كيف يتصور إرث اليهودي من النصراني وعكسه، فإن الأصح أن من انتقل من ملة إلى ملة لا يقر أجيب بتصور ذلك في الولاء والنكاح وفي النسب أيضا فيما إذا كان أحد أبويه يهوديا والآخر نصرانيا إما بنكاح أو وطئ شبهة، فإنه يخير بينهما بعد البلوغ كما قاله الرافعي قبيل نكاح المشرك، حتى لو كان له ولدان واختار أحدهما اليهودية والآخر النصرانية جعل التوارث بينهما بالأبوة والأمومة والاخوة مع اختلاف الدين. (لكن المشهور) وعبر في الروضة بالمذهب وبه قطع الأكثرون، (أنه لا توارث بين حربي وذمي) لانقطاع الموالاة بينهما. والمعاهد والمستأمن كالذمي، فالتوارث بينهما وبينه وبين كل منهما لعصمته. ولو عبر بالمعاهد كان أولى، لأنه إذا كان لا توارث بين الحربي وبينه فلا توارث بينه وبين الذمي بالأولى. والثاني: يتوارثان لشمول الكفر لهما. (و) ثالثها: الرق، وهو لغة: العبودية والشئ الرقيق، وشرعا: عجز حكمي يقوم بالانسان بسبب الكفر. فعليه (لا يرث من فيه رق) من قن ومدبر ومكاتب وأم ولد ومبعض، لأنه لو ورث لكان الملك للسيد وهو أجنبي من الميت. واحتج السهيلي لذلك بقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم) * الآية، فإن اللام فيه للملك والرقيق لا يملك. وفي المبعض وجه أنه يرث بقدر ما فيه من الحرية، وهو مخالف لنقل الشافعي في اختلاف الحديث الاجماع على عدم توريثه لأنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية، فلم يرث كالقن. ولا يورث أيضا الرقيق كله كما صرح به في المحرر، واستغنى المصنف عنه بقوله: (والجديد أن من بعضه حر) إذا مات عن مال ملكه ببعضه الحر، (يورث) عنه ذلك المال، لأنه تام الملك عليه كالحر فيرثه عنه قريبه الحر أو معتق بعضه وزوجته، ولا شئ لسيده لاستيفاء حقه مما اكتسبه بالرقية. والقديم أنه لا يورث ويكون ما ملكه لمالك الباقي.
تنبيه: استثني من كون الرقيق لا يورث كافر له أمان وجبت له جناية حال حريته وأمانة ثم نقض الأمان فسبي واسترق وحصلت السراية بالموت في حال رقه، فإن قدر الأرش من القيمة لورثته على الأصح. قال الزركشي: وليس لنا رقيق كله يورث إلا هذا. (و) رابعها: القتل، فعليه (لا) يرث (قاتل) من مقتوله مطلقا، لخبر الترمذي وغيره. وليس للقاتل شئ أي من الميراث، ولأنه لو ورث لم يؤمن أن يستعجل الإرث بالقتل فاقتضت المصلحة حرمانه، ولان القتل قطع الموالاة وهي سبب الإرث. وسواء أكان القتل عمدا أم غيره، مضمونا أم لا، بمباشرة أم لا، قصد مصلحته كضرب الأب