في الفرقة الأولى فقال: (يحرم) على المسلم (نكاح من لا كتاب لها) أصلا، (كوثنية) وهي عابدة الوثن، ويدخل تحته عابدة الصنم إذا قلنا بترادفهما، وقيل: الصنم ما كان مصورا، والوثن ما كان غير مصور، أو يطلق على المصور وغير المصور. فعلى هذا كل صنم وثن ولا عكس وهذا بالنسبة إلى اللغة. أما الحكم فلا يختلف. ثم شرع في الفرقة الثانية فقال:
(ومجوسية) وهي عابدة النار، إذ لا كتاب بأيدي قومها الآن ولم تتيقنه من قبل فتحتاط. وقول المتن: ومجوسية معطوف على قوله: من لا كتاب لها لا أنه معطوف على وثنية حتى يقتضي أنه لا كتاب لها أصلا فإنه خلاف المشهور. ثم شرع في الفرقة الثالثة فقال: (وتحل كتابية) أي نكاحها، لقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * أي حل لكم، وقال تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * نعم يستثنى نكاح النبي (ص) فإنه لا يحل له نكاح الكتابية على الأصح في الروضة وأصلها، وقطع به العراقيون، لأنها يكره صحبته، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة، ولقوله تعالى:
* (وأزواجه أمهاتهم) * ولا يجوز أن تكون المشركة أم المؤمنين. وقضية التعليل بأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة أنه يحرم عليه (ص) التسري بالأمة الكتابية مع أن الأصح في الروضة وأصلها حل التسري له بالأمة الكتابية، واستدل لذلك بأنه (ص) كان يطأ صفية قبل أن تسلم، وقال الماوردي: تسرى بريحانة وكانت يهودية من سبي قريظة. وأجيب عن ذلك بأن القصد بالنكاح أصالة التوالد، فاحتيط له، وبأنه يلزم فيه أن تكون الزوجة أم المؤمنين كما مر بخلاف الملك فيهما. وفي تحريم الوثنية على الكتابي وجهان. وظاهر كلام الشيخين التحريم وهل تحرم الوثنية على الوثني؟ قال السبكي: ينبغي إن قلنا إنهم مخاطبون بالفروع حرمت وإلا فلا حل ولا حرمة. ولا فرق في حل الكتابية للمسلم بين الحربية والذمية، (لكن تكره حربية) ليست بدار الاسلام لما في الإقامة في دار الحرب من تكثير سوادهم ولأنها ليست تحت قهرنا، وقد تسترق وهي حامل منه فلا تصدق في أنها حامل من مسلم ولما في الميل إليها من خوف الفتنة. (وكذا) تكره (ذمية على الصحيح) لما مر من خوف الفتنة، لكن الحربية أشد كراهة منها.
والثاني: لا تكره، لأن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك. هذا إذا وجد مسلمة وإلا فلا كراهة كما قاله الزركشي، قال: وقد يقال باستحباب نكاحها إذا رجي إسلامها، وقد روي أن عثمان رضي الله تعالى عنه تزوج نصرانية فأسلمت وحسن إسلامها. وقد ذكر القفال أن الحكمة في إباحة الكتابية ما يرجى من ميلها إلى دين زوجها، فإن الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهن على الآباء والأمهات، ولهذا حرمت المسلمة على المشرك. وصرح الماوردي بأنه يكره نكاح المسلمة بدار الحرب والتسري هناك لما في ذلك من تكثير سوادهم. (والكتابية: يهودية أو نصرانية) لقوله تعالى: * (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) *. والأولى اشتق اسمها من يهود بن يعقوب، والثانية من ناصرة قرية بالشام كان مبدأ دين النصارى منها. (لا مستمسكة بالزبور) بفتح أوله وضمه، وهو كتاب داود عليه الصلاة والسلام، (وغيره) كصحف شيث وإدريس وإبراهيم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين، فلا تحل لمسلم وإن أقرت بالجزية. واختلف في سبب ذلك. فقيل: لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى وإنما أوحي إليهم معانيها، وقيل: لأنها حكم ومواعظ لا أحكام وشرائع. وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن فيها نقصا واحدا وهو كفرها وغيرها فيها نقصان الكفر وفساد الدين. (فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية) بأن لم تكن من بني إسرائيل وهو يعقوب عليه الصلاة والسلام بل كانت من الروم ونحوه - فائدة: إسرا بالعبرانية عبد، وإيل اسم الله - (فالأظهر حلها) للمسلم (إن علم دخول قومها) أي آبائها، أي أولهم، أي أول من تدين منهم، (في ذلك الدين) أي دين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، (قبل نسخه وتحريفه)