ثم شرع في الركن الثالث، فقال: (ولا يصح) النكاح (إلا بحضرة شاهدين) لخبر ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاحوا فالسلطان ولي من لا ولي له. قال: ولا يصح في ذكر الشاهدين غيره. والمعنى في اعتبارهما الاحتياط للابضاع وصيانة الأنكحة عن الجحود.
تنبيه: إنما عبر بالحضور ليفهم عدم الفرق بين حضورهما قصدا أو اتفاقا، أو حضرا وسمعا العقد صح وإن لم يسمعا الصداق. ويسن إحضار جمع زيادة على الشاهدين من أهل الخير والدين. قال الرافعي: ذكر في الوسيط أن حضور الشهود شرط، لكن تساهل في تسميته ركنا. وبالجملة حضورهم معتبر في الأنكحة، ولذا عبر المصنف بحضور.
(وشرطهما حرية) فلا ينعقد بمن فيه رق لأن من فيه رق ليس أهلا للشهادة. ولو عقد بحضرة من أعتقه شخص في مرض موته وعليه دين مستغرق هل يصح أو لا؟ قال الزركشي: في صحة العقد، وإن قلنا بصحة العتق نظر لأن العتق غير مستقر اه. والأوجه ما قاله غيره، وهو الصحة إن لم يبطل، وعدمها إن بطل. ويؤيد ذلك ما سيأتي إن كان الشاهد خنثى ثم تبين كونه ذكرا أنه يكفي (وذكورة) فلا ينعقد بالنساء ولا برجل وامرأتين، لأنه لا يثبت بقولهن.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا ينعقد بخنثيين ولو بانا رجلين، لكنه صحح في زيادة الروضة الصحة. فإن قيل: لو عقد على مشكل أوله ثم تبين كونه أنثى في الأول أو ذكرا في الثاني أن النكاح لا يصح؟ أجيب بأن الشهادة في النكاح من الشروط كما مر عن البسيط، والشرط يعتبر وجوده عند العقد لا تحققه، بخلاف المعقود عليه فإنه ركن، والركن يعتبر تحققه عند العقد، ويؤيد ذلك ما سيأتي من أن الاشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها لا يشترط.
وعللوه بأن رضاها ليس من نفس العقد وإنما شرط فيه، وإذا وجد من غير إشهاد كفى. وأيضا الخنثى أهل للشهادة في الجملة. فإذا بان رجلا اكتفينا بذلك في النكاح، بخلاف العقد على الخنثى فإنه ليس أهلا لعقد النكاح عليه في حالة من الأحوال. واستغنى المصنف عن ذكر الاسلام والتكليف في الشاهد بقوله: (وعدالة) ولو ظاهرة، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في كتاب الشهادات، فلا ينعقد بفاسقين لأنه لا يثبت بهما. (وسمع) ولو برفع الصوت، إذ المشهود عليه قول فلا بد من سماعه، فلا ينعقد بأصم، وفيه وجه. (وبصر) لأن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع. (وفي الأعمى وجه) بانعقاد النكاح بحضرته، وحكاه في البحر عن النص، لأنه أهل للشهادة في الجملة.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف حيث كان ذلك منسوبا إلى النص أن يعبر بقوله: بقي عليه شروط أخر، وهي كونه ناطقا رشيدا ضابطا، ولو مع النسيان عن قرب غير متعين للولاية، كأب وأخ منفرد وكل وحضر مع آخر.
وتقدم أنه لا بد من معرفة لغة المتعاقدين، وإنما تركها المصنف لأنه سيذكرها في كتاب الشهادات. ولو عبر بشاهدين مقبولي شهادة نكاح كان أخصر وأعم. (والأصح انعقاده) أي النكاح (بابني الزوجين) أي ابني كل منهما أو ابن أحدهما وابن الآخر، (وعدويهما) أي وعدوي كل منهما أو عدو أحدهما وعدو الآخر لأنهما من أهل الشهادة، وينعقد بهما النكاح في الجملة. والثاني: لا، لتعذر ثبوت هذا النكاح بهما في المسألتين. وقطع بعضهم بالانعقاد في العداوة لامكان زوالها. قال في زيادة الروضة: وينعقد بحضور ابنيه مع ابنيها وعدويه مع عدويها بلا خلاف. والجد إن لم يكن وليا كالابن.
تنبيه: قد يكون الأب شاهدا لاختلاف دين أو رق، كأن تكون بنته رقيقة فيزوجها سيدها وحضر، وهو بصفة الشهود، أو كافرة فزوجها أخوها مثلا الكافر وحضره الأب. وينعقد بالحواشي كالاخوة والأعمام إذا كان الولي غيرهم، فلو شهد اثنان من ثلاثة إخوة مثلا والعاقد غيرهما من بقية الأولياء لا إن عقد بوكالة منهما أو من أحدهما