و) لا (إيجاف) أي إسراع (خيل و) لا سير (ركاب) أي إبل ونحوها كبغال وحمير وسفن ورجاله. وخرج بزيادة لنا ما حصله أهل الذمة من أهل الحرب فإنه لا ينزع منهم، وبزيادة مما هو لهم ما أخذوه من مسلم أو ذمي أو نحوه بغير حق، فإنا لم نملكه بل يرد على مالكه إن عرف وإلا فيحفظ.
تنبيه: اعتبر المصنف في حصول الفئ انتفاء القتال وإيجاف الخيل والركاب، وهذا يصدق بانتفاء المجموع وبانتفاء كل واحد على انفراده، والمراد هو الثاني، فإن واحدا من الثلاثة كاف في حصول اسم الغنيمة فلا يكون فيئا حتى تنتفي الثلاثة، فكان ينبغي أن يقول: ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كما قدرته في كلامه. وأجاب بعض المتأخرين عنه بأن الواو في كلامه بمعنى أو: أي الفئ ما حصل عند انتفاء أحد هذه الثلاثة، وهو أعم من كل واحد منها، والأعم إذا انتفى ينتفي الأخص لانتفاء الانسان بانتفاء الحيوان. وقال بعضهم: إنما يظهر كون الواو بمعنى أو في جانب الاثبات في حد الغنيمة، وأما في جانب النفي في حد الفئ فالواو على بابها، والمراد انتفاء كل واحد على انفراده كما مر، وهذا أظهر. ثم ذكر أنواعا ستة من الفئ أشار لها بقوله: (كجزية وعشر تجارة) من كفار شرطت عليهم إذا دخلوا دارنا، وخراج ضرب عليهم على اسم جزية. (وما جلوا) أي تفرقوا (عنه خوفا) من المسلمين أو غيرهم، (ومال مرتد قتل أو مات) على الردة، (وذمي) أو نحوه (مات بلا وارث) أو ترك وارثا غير حائز.
تنبيه: هذا التعريف ليس بجامع، فإن المال يخرج الاختصاصات مع أنها فئ كما مر، فلو قال: ما حصل، كان أولى، وليس بمانع لدخول ما حصل من سرقة أو هبة ونحو ذلك كلقطة فإنه غنيمة لا فئ. وما أهدوه لنا في غير الحرب فإنه ليس بفئ كما أنه ليس بغنيمة بل هو لمن أهدي له، وأما ما أهدوه لنا والحرب قائمة فهو غنيمة كما سيأتي. ولو حذف المصنف لفظ الخوف لكان أولى ليدخل المال الذي جلوا عنه لضر أصابهم أو صولحوا عليه بلا قتال فإنه فئ وإن لم يكن خوف.
ثم أشار لحكم الفئ بقوله: (فيخمس) جميعه خمسة أخماس متساوية كالغنيمة، خلافا للأئمة الثلاثة حيث قالوا لا يخمس بل جميعه لمصالح المسلمين. لنا قوله تعالى: * (ما أفاء الله على رسوله) * الآية، فأطلق ههنا، وقيد في الغنيمة فحمل المطلق على المقيد جمعا بينهما لاتحاد الحكم، فإن الحكم واحد وهو رجوع المال من المشركين للمسلمين وإن اختلف السبب بالقتال وعدمه كما حملنا الرقبة في الظهار على المؤمنة في كفارة القتل. وكان (ص) يقسم له أربعة أخماسه وخمس خمسه، ولكل من الأربعة المذكورين معه في الآية خمس خمس. وأما بعده (ص) فيصرف ما كان له من خمس الخمس لمصالحنا، ومن الأخماس الأربعة للمرتزقة كما تضمن ذلك قول المصنف: (وخمسه) أي الفئ (لخمسة) فالقسمة من خمسة وعشرين، (أحدهما: مصالح المسلمين) فلا يصرف منه شئ لكافر. ثم مثل المصنف للمصالح بقوله: (كالثغور) جمع ثغر، أي سدها وشحنها بالعدد والمقاتلة، وهي مواضع الخوف من أطراف بلاد الاسلام التي تليها بلاد المشركين فيخاف أهلها منهم. وكعمارة المساجد والقناطر والحصون، (و) أرزاق (القضاة) والأئمة (والعلماء) بعلوم تتعلق بمصالح المسلمين، كتفسير وحديث وفقه، وطلبة هذه العلوم.
تنبيه: نبه المصنف رحمه الله تعالى بالعلماء على كل ما فيه مصلحة عامة للمسلمين، كالأئمة ومعلمي القرآن والمؤذنين، لأن بالثغور حفظ المسلمين ولئلا يتعطل من ذكر بالاكتساب عن الاشتغال بهذه العلوم وعن تنفيذ الأحكام وعن التعليم والتعلم فيرزقون ما يكفيهم ليتفرغوا لذلك. قال الزركشي نقلا عن الغزالي: تعطى العلماء والقضاة مع الغنى وقدر المعطى إلى رأي السلطان بالمصلحة، ويختلف بضيق المال وسعته. قال الغزالي: ويعطى أيضا من ذلك العاجز عن الكسب لا مع الغنى. والمراد بالقضاة غير قضاة العسكر، أما قضاتهم الذين يحكمون لأهل الفئ في مغزاهم فيرزقون من الأخماس الأربعة لا من خمس الخمس كما قاله الماوردي، قال: وكذا أئمتهم ومؤذنوهم وعمالهم. (يقدم الأهم) فالأهم منها وجوبا، وأهمها كما في التنبيه سد الثغور لأن فيه حفظ المسلمين.