والأقرب أنه لا تجوز الوصية لأخرس وإن فهمت إشارته. قال ابن شهبة: وفيه نظر. وهذا النظر هو الظاهر. (ولا تشترط الذكورة) بالاجماع كما حكاه ابن المنذر. وقد أوصى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه إلى ابنته حفصة رضي الله تعالى عنها، رواه أبو داود. (وأم الأطفال أولى من غيرها) من النساء عند اجتماع الشروط السابقة، لوفور شفقتها، وخروجا من خلاف الإصطخري فإنه يرى أنها تلي بعد الأب والجد. وكذا أولى من الرجال أيضا لما ذكر إذا كان فيها ما فيهم من الكفاية والاسترباح ونحوهما وإلا فلا. قال الأذرعي: وكم من محب مشفق لا يقدر على تحصيل الأرباح والمصالح التامة لمن يلي أمره. وللقاضي أن يفوض أمر الأطفال إذا لم يكن وصي إلى امرأة فتكون قيمة، فإن كانت أم الأطفال فذاك أولى، قاله الغزالي في البسيط. (وينعزل الوصي) وقيم القاضي والأب والجد بعد الولاية (بالفسق) بتعد في المال أو بسبب آخر، لزوال الشرط فلا يحتاج لعزل حاكم.
تنبيه: أفهم كلامه أن الوصي لا ينعزل باختلال كفايته، وهو كذلك، لكن يضم القاضي إليه معينا، بل أفتى السبكي بأنه يجوز للقاضي أن يضم إلى الوصي غيره بمجرد الريبة من غير ثبوت خلل، قال: ولم أره منقولا. وكلام الأصحاب يقتضي المنع، وفساد الزمان يقتضي الجواز * (والله يعلم المفسد من المصلح) * اه. والأوجه ما بحثه الأذرعي من أنه إن قويت الريبة بقرائن ظاهرة ضم، وإلا فلا. وإن ضعف منصوب القاضي عزله، (وكذا) ينعزل (القاضي) بالفسق (في الأصح) لزوال الأهلية. والثاني: كالإمام. وهذه المسألة ذكرها المصنف في القضاء وفرضها في عدم نفوذ حكمه لا في انعزاله، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى مستوفى في كتاب القضاء (لا الإمام الأعظم) فلا ينعزل بالفسق لتعلق المصالح الكلية بولايته. وحكى القاضي عياض فيه الاجماع. ولحديث: صلوا خلف كل بر وفاجر. وقيل: ينعزل، وصوبه في المطلب، واقتضى كلامه تفرد الرافعي بترجيح عدم الانعزال.
تنبيه: بالتوبة من الفسق تعود ولاية الأب والجد لا ولاية غيرهما، لأن ولايتهما شرعية وولاية غيرهما مستفادة من التفويض، فإذا ارتفعت لم تعد إلا بولاية جديدة. والجنون والاغماء كالفسق في الانعزال به، فلو أفاق غير الأصيل والإمام الأعظم لم تعد ولايته، لأنه يلي بالتفويض كالوكيل، بخلاف الأصيل تعود ولايته وإن انعزل لأنه بلا تفويض، وبخلاف الإمام الأعظم كذلك للمصلحة الكلية. فإن أفاق الإمام وقد ولي آخر بدله نفذت توليته إن لم يخف فتنة وإلا فلا فيولى الأول، قال الإمام: ولا شك أنه ينعزل بالردة ولا تعود إمامته. ثم شرع في بيان الركن الثاني وهو الموصى فقال:
(ويصح الايصاء في قضاء الدين. وتنفذ الوصية من كل حر مكلف) مختار. قال ابن الرفعة: كذا في أكثر النسخ تنفيذ بتحتانية بين الفاء والذال كما في المحرر والروضة وأصلها، وفي خط المصنف تنفذ بلا تحتانية مضموم الفاء والذال بعد دائرة، أي وهو معطوف على يصح، ويتعلق بهما قوله: من إلخ، فصار كلامه حينئذ مشتملا على مسألتين: إحداهما صحة الوصية بقضاء الدين، والأخرى: نفوذ الوصية من الحر المكلف. ويلزم على هذا كما قاله ابن شهبة محذورات، إحداها: التكرار، فإن الوصية بقضاء الدين تقدم أول الفصل أنها سنة فلا فائدة للحكم ثانيا بصحتها. ثانيها: صيرورة الكلام في الثانية غير مرتبط، فإنه لم يذكر في أي شئ تنفذ. ثالثها: مخالفة أصله، أي من غير فائدة.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف استثناء السكران من التكليف على رأيه، فإنه غير مكلف عنده، ويصح إيصاؤه.
وكلامه تبعا للرافعي يفهم أن السفيه إذا صححنا وصيته بالمال وهو الأصح أن له تعيين شخص لتنفيذها. قال السبكي:
ولم أر فيه إلا ما اقتضاه هذا الكلام وهو محتمل، ومنعه أيضا محتمل فيليه الحاكم أو وليه اه. ويقوي الاحتمال الثاني قول ابن الرفعة: ينبغي إضافة الرشد إلى الشرطين المذكورين، وقول الأذرعي الظاهر أنه لا يصح أيضا