قبل وإن تأخر الوقوع، لأن ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخر الوقوع.
فروع: لو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة، فإن كانت ممن لا سنة لها ولا بدعة كالصغيرة طلقت في الحال ثلاثا كما لو وصفها كلها بالسنة أو البدعة، وإن كانت ذات أقراء طلقت طلقتين في الحال وطلقة ثالثة في الحال الثاني، لأن التبعيض يقتضي التشطير، ثم يسري. فإن قال: أردت إيقاع طلقة في الحال وطلقتين في الحال الثاني صدق بيمينه، ولو أراد إيقاع بعض كل طلقة في الحال وقع الثلاث في الحال بطريق التكميل. ولو قال: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وسكت وهي في حال السنة أو البدعة وقع في الحال واحدة فقط، لأن البعض ليس عبارة عن النصف، وإنما حمل فيما مر على التشطير لإضافة البعضين إلى الحالين فيسوى بينهما. ولو قال: أنت طالق خمسا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت ثلاثا في الحال أخذا بالتشطير والتكميل. ولو قال: أنت طالق طلقتين طلقة للسنة وطلقة للبدعة وقع طلقة في الحال وفي المستقبل طلقة. وإن قال: أنت طالق طلقتين للسنة والبدعة وقع الطلقتان في الحال، لأن قوله: للسنة والبدعة وصف للطلقتين في الظاهر فيلغو للتنافي ويبقى الطلقتان. وقوله لها: طلقتك طلاقا كالثلج أو كالنار يقع في الحال ويلغو التشبيه المذكور، خلافا لمن قال إن قصد التشبيه بالثلج في البياض وبالنار في الإضاءة طلقت في زمن السنة، أو التشبيه بالثلج في البرودة وبالنار في الحرارة والاحراق طلقت في زمن البدعة. (ولا يحرم جمع الطلقات) لأن عويمر العجلاني لما لاعن امرأته عند رسول الله (ص) طلقها ثلاثا قبل أن يخبره (ص) أنها تبين باللعان، متفق عليه، فلو كان إيقاع الثلاث حراما لنهاه عن ذلك ليعلمه هو ومن حضره، ولان فاطمة بنت قيس شكت للنبي (ص) أن زوجها طلقها البتة. قال الشافعي رضي الله عنه: يعني والله أعلم ثلاثا، ولم نعلم أن النبي (ص) نهى عن ذلك وقد فعله جمع من الصحابة وأفتى به آخرون اه. وكما لا يحرم جمعها لا يكره، ولكن يسن الاقتصار على طلقتين في القرء لذات الأقراء وفي شهر لذات الأشهر ليتمكن من الرجعة أو التجديد إن ندم، فإن لم يقتصر على ذلك فليفرق الطلقات على الأيام ويفرق على الحامل طلقة في الحال ويراجع، وأخرى بعد النفاس، والثالثة بعد الطهر من الحيض، وقيل: يطلقها في كل شهر طلقة.
تنبيه: أفهم كلام المصنف وقوع الثلاث عند جمعهن، وعليه اقتصر الأئمة، وحكي عن الحجاج بن أرطأة وطائفة من الشيعة والظاهرية أنه لا يقع منها إلا واحدة، واختاره من المتأخرين من لا يعبأ به فأفتى به واقتدى به من أضله الله تعالى، واحتجوا بما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة، ثم قال عمر: إن الناس قد استعجلوا ما كانوا فيه على أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
وعلى تقدير صحة هذا الحديث أجيب عنه بجوابين: أحدهما وهو محكي عن أبي ذرعة الرازي أن معناه أن الطلاق المعتاد في الزمن الأول كان طلقة واحدة وصار الناس في زمن عمر رضي الله عنه يوقعون الثلاث دفعة واحدة فنفذه عليهم، فيكون إخبارا عن اختلاف عادة الناس لا عن تغير حكم في مسألة واحدة، ومعناه: كان الطلاق الثلاث الذي يوقعونه الآن دفعة إنما كان في الزمن الأول يوقعونه واحدة فقط، واعتمد هذا الشيخ علاء الدين النجاري الحنفي، وقال: إن النص مشير إلى هذا من لفظ الاستعجال، يعني أنه كان للناس أناة، أي مهلة في الطلاق، فلا يوقعون إلا واحدة واحدة فاستعجل الناس وصاروا يوقعون الثلاث دفعة واحدة، وإلا إذا كان معنى الحديث أن إيقاع الثلاث دفعة واحدة، كان في الزمن الأول إنما يقع واحدة واحدة، وهكذا في الزمن الثاني قبل التنفيذ فما الذي استعجلوه. الجواب الثاني:
أنه محمول على من فرق اللفظ فقال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، فكانوا أولا يصدقون في إرادة التأكيد لقلة الخيانة فيهم، فلما كان زمن عمر رضي الله عنه ورأي تغير الأحوال لم يقبل إرادة التأكيد وأمضاه على الاستئناف.
قال المصنف في شرح مسلم: وهذا أصح الأجوبة، وقال السبكي إنه أحسن محامل الحديث اه. ولا فرق في وقوع الثلاث بين أن يكون ذلك منجزا أو معلقا، وقد وجدت صفته حلفا كان أو غير حلف قال السبكي: وابتدع بعض