ولا يطالب بنصف المهر إن لم تكن قبضت المهر لاحتمال سبقها، ولا يسترده هو منها إن كانت قبضته لاحتمال سبقه فيقر النصف في يدها حتى يتبين الحال. وأقام الزوج شاهدين أنهما أسلما حين طلعت الشمس أو غربت يوم كذا قبلت شهادتهما واستمر النكاح، أو أنهما أسلما مع طلوع الشمس أو غروبها يوم كذا لم تقبل، لأن وقت الطلوع أو الغروب يتناول حال تمامه وهي واحدة، والمعية للطلوع أو الغروب تتناول أوله وآخره، فيجوز أن يكون إسلام أحدهما مقارنا لطلوع أول القرص أو غروبه، وإسلام الآخر مقارنا لطلوع آخره أو غروبه.
باب الخيار:
في النكاح (والاعفاف ونكاح العبد) وما يذكر معها: وأسباب الخيار المتفق عليه ثلاثة، وعدها في الروضة أربعة، فجعل العنة سببا مستقلا، والأوجه دخولها في العيوب. وأما المختلف فيها فكالاعسار بالمهر أو النفقة، وكأن يجد أحدهما الآخر رقيقا أو يجد الزوج المرأة لا تحتمل الوطئ إلا بالافضاء، وسيأتي الكلام على ذلك في محله. الأول من الثلاثة العيوب، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم مشترك بين الزوجين، وقسم مختص بالزوجة، وقسم مختص بالزوج، وقد بدأ المصنف بالقسم الأول من العيوب، فقال: إذا (وجد أحد الزوجين بالآخر جنونا) وإن انقطع أو كان قابلا للعلاج ثبت له الخيار كما سيأتي، الجنون زوال الشعور من القلب مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء، واستثنى المتولي من المنقطع الخفيف الذي يطرأ في بعض الزمان.
أما الاغماء بالمرض فلا يثبت به خيار كسائر الأمراض، ومحله كما قال الزركشي فيما تحصل منه الإفاقة كما هو الغالب. أما المأيوس من زواله فكالجنون كما ذكره المتولي، وكذا إن بقي الاغماء بعد المرض فيثبت به الخيار كالجنون. وألحق الشافعي رضي الله تعالى عنه الخبل بالجنون، والاصراع نوع من الجنون كما قاله بعض العلماء. (أو) وجد أحد الزوجين بالآخر (جذاما) وهو علة يحمر منها العضو ثم ينقطع ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر، ويتصور ذلك في كل عضو لكنه في الوجه أغلب. (أو برصا) وهو بياض شديد يبقع الجلد ويذهب دمويته، ثبت له الخيار كما مر. هذا إذا كانا مستحكمين، بخلاف غيرهما من أوائل الجذام والبرص لا يثبت به الخيار كما صرح به الجويني قال: والاستحكام في الجذام يكون بالتقطع وتردد الإمام فيه وجوز الاكتفاء باسوداده. وحكم أهل المعرفة باستحكام العلة ولم يشترطوا في الجنون الاستحكام، قال الزركشي: ولعل الفرق أن الجنون يفضي إلى الجناية على الزوج. فإن قيل: كيف يتصور فسخ المرأة بالعيب لأنها إن علمت به فلا خيار لها، وإن لم تعلم به فالتنقي من العيوب شرط في الكفاءة فلا يصح النكاح إذا عدم التكافؤ؟ أجيب بأن هذا غفلة عن قسم آخر، وهو ما إذا أذنت في التزويج من معين ولو من غير كفء وزوجها الولي منه بناء على أنه سليم فإذا هو معيب، فالمذهب صحة النكاح كما صرح به الإمام في باب التولية والمرابحة، ويثبت الخيار بذلك. ثم شرع فيما هو مختص بالزوجة، فقال: (أو وجدها) الزوج (رتقاء أو قرناء) بأن انسد محل الجماع منها في الأول بلحم وبالثاني بعظم في الأصح، وقيل: بلحم، وعليه فالرتق والقرن واحد، ثبت له الخيار كما سيأتي، وليس للزوج إجبار الرتقاء على شق الموضع، وإن شقته وأمكن الوطئ فلا خيار، ولا تمكن الأمة من الشق قطعا إلا بإذن السيد. ثم شرع فيما هو مختص بالزوج، فقال: (أو وجدته عنينا) وهو العاجز عن الوطئ في القبل خاصة، قيل سمي عنينا للين ذكره وانعطافه مأخوذ من عنان الدابة للينه. (أو مجبوبا) وهو مقطوع جميع الذكر أو لم يبق منه قدر الحشفة، أما إذا بقي منه ما يولج قدرها فلا خيار لها. وجواب إذا المقدرة في كلام المتن قوله: (ثبت) لواجد العيب من الزوجين (الخيار في فسخ النكاح) كما تقرر لكن بعد ثبوت العيب عند القاضي كما سيأتي. وثبوت الخيار بهذه العيوب قال به جمهور العلماء