قصر، (أو عكس) أي مسح سفرا تقصر فيه الصلاة ثم أقام (لم يستوف مدة سفر) تغليبا للحضر، فيقتصر على مدة مقيم في الأولى بقسميها خلافا للرافعي في الشق الثاني منها. ومثل ذلك ما لو مسح إحدى رجليه وهو عاص بسفره، ثم مسح الأخرى بعد توبته فيما يظهر، وكذا في الثانية إن أقام قبل استيفائها، فإن أقام بعدها لم يمسح، ويجزئه ما مضى وإن زاد على يوم وليلة. وعلم من كلامه أن العبرة فيما ذكر بالمسح لا باللبس لأنه أول العبادة، فمن ابتدأ بالمسح في السفر أتم مسح مسافر، سواء ألبس في الحضر وأحدث فيه أم لا، وسواء أسافر بعد خروج الوقت أم لا، وعصيانه إنما هو بالتأخير لا بالسفر الذي به الرخصة، ومن ابتدأه في الحضر ولو إحدى خفيه كما تقدم أتم مسح مقيم. (وشرطه) أي جواز مسح الخف أمران: أحدهما: (أن يلبس بعد كمال طهر) من الحدثين، للحديث السابق، فلو لبسه قبل غسل رجليه وغسلهما فيه لم يجز المسح إلا أن ينزعهما من موضع القدم ثم يدخلهما فيه، ولو أدخل إحداهما بعد غسلها ثم غسل الأخرى وأدخلها لم يجز المسح إلا أن ينزع الأولى من موضع القدم ثم يدخلها فيه، ولو غسلهما في ساق الخف ثم أدخلهما موضع القدم جاز المسح، ولو ابتدأ اللبس بعد غسلهما ثم أحدث قبل وصولهما إلى موضع القدم لم يجز المسح، ولو كان عليه الحدثان فغسل أعضاء الوضوء عنها أو الجنابة وقلنا بالاندراج ولبس الخف قبل غسل باقي بدنه لم يمسح عليه لأنه لبسه قبل كمال الطهر. فإن قيل: لفظة كمال لا حاجة إليها، لأن حقيقة الطهر أن يكون كاملا، ولذلك اعترض الرافعي على الوجيز بأنه لا حاجة إلى قيد التمام لأن من لم يغسل رجليه أو إحداهما ينتظم أن يقال إنه ليس على طهر. أجيب بأن ذلك ذكر تأكيدا لنفي مذهب المزني فيما إذا غسل رجلا وأدخلها الخف ثم الأخرى كذلك، ولاحتمال توهم إرادة البعض. ولا يقال يحترز بذلك عن دائم الحدث فإنه يجوز له المسح كما مر، لأن ضد الكامل الناقص وطهارته ضعيفة لا ناقصة، وحكم المحترز عنه إنما يكون ضد المدعي. وشمل تنكير الطهر التيمم، فالحكم فيه أنه إن كان لاعواز الماء لم يستفد به المسح، بل إذا وجد الماء لزمه نزعه والوضوء الكامل، وإن كان لمرض ونحوه فأحدث ثم تكلف الوضوء ليمسح فكذا، ثم الحدث وقد مر حكمه، لكن الأسنوي تردد في جواز هذا التكليف: هل هو جائز أو لا؟ والذي يظهر كما قاله شيخي أنه إن غلب على ظنه الضرر حرم وإلا فلا، ولو شفي دائم الحدث أو المتيمم لا لفقد الماء لم يمسح لبطلان الطهارة المرتب هو عليها، ولو لبس الخف وهو يدافع الحدث لم يكره كما في المجموع. الأمر الثاني: صلاحية الخف للمسح بثلاثة شروط:
بأن يكون كل منهما (ساترا محل فرضه) وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب لا من الأعلى، فلو رؤي القدم من أعلاه كأن كان واسع الرأس لم يضر عكس ساتر العورة فإنه من الأعلى والجوانب لا من الأسفل، لأن القميص في ستر العورة يتخذ لستر أعلى البدن والخف يتخذ لستر أسفل الرجل. فإن قصر عن محل الفرض أو كان به تخرق في محل الفرض ضر، ولو تخرقت البطانة - بكسر الباء - أو الظهارة - بكسر الظاء - والباقي صفيق لم يضر وإلا ضر، ولو تخرقتا من موضعين غير متحاذيين لم يضر. والمراد بالستر هنا الحيلولة لا ما يمنع الرؤية، فيكفي الشفاف عكس ساتر العورة، لأن القصد هنا منع نفوذ الماء وثم منع الرؤية. وقال في المجموع: إن المعتبر في الخف عسر غسل الرجل بسبب الساتر وقد حصل، والمقصود بستر العورة سترها بحرم عن العيون ولم يحصل. ومن نظائر المسألة: رؤية المبيع من وراء زجاج فإنه لا يكفي لأن المطلوب نفي الغرر وهو لا يحصل بذلك، لأن الشئ من وراء زجاج يرى غالبا على خلاف ما هو عليه. وأن يكون (طاهرا) فلا يصح المسح على خف اتخذ من جلد ميتة قبل الدباغ لعدم إمكان الصلاة فيه. وفائدة المسح وإن لم تنحصر فيها فالقصد الأصلي منه الصلاة وغيرها تبع لها، ولان الخف بدل عن الرجل وهي لا تطهر عن الحدث ما لم تزل نجاستها، فكيف يمسح على البدل وهو نجس العين والمتنجس كالنجس كما في المجموع، خلافا لابن المقري في أنه يصح على الموضع الطاهر. ويستفيد به مس المصحف قبل غسله والصلاة بعده، لأن الصلاة هي المقصود الأصلي من المسح وما عداها من مس المصحف ونحوه كالتابع لها، ولان الخف بدل عن الرجل ولو كانت نجسة لم تطهر عن الحدث مع بقاء النجس عليها كما مر. نعم لو كان على الخف نجاسة معفو عنها ومسح من أعلاه ما لا نجاسة عليه صح مسحه، فإن مسح على النجاسة زاد التلويث ولزمه