(و) نحو (جمعة) كعيد بأن نواهما، (حصلا) أي غسلهما، كما لو نوى الفرض وتحية المسجد، وقيل: لا يحصل واحد منهما لأن كل واحد منهما مقصود، بخلاف التحية لحصولها ضمنا، فعلى الأولى الأكمل أن يغتسل للجنابة ثم للجمعة كما نقله في البحر عن الأصحاب. فإن قيل: قد صرحوا بأنه لو اجتمع جمعة وكسوف وقدم الكسوف ثم خطب ونوى بخطبته خطبة الجمعة والكسوف لم يصح للتشريك بين فرض ونفل. أجيب بأن خطبة الجمعة في معنى الصلاة، ولهذا اشترط فيها ما يشترط في الصلاة، فالتشريك بينها وبين الكسوف كالتشريك بين الظهر وسنته، بخلاف ما هنا فإن مبنى الطهارات على التداخل. (أو لأحدهما حصل) غسله (فقط) اعتبارا بما نواه. وإنما لم يندرج النفل في الفرض لأنه مقصود فأشبه سنة الظهر مع فرضه. فإن قيل: لو نوى بصلاته الفرض دون التحية حصلت التحية وإن لم ينوها، أو نوى رفع الجنابة حصل الوضوء وإن لم ينوه. أجيب بأن القصد ثم إشغال البقعة بصلاة وقد حصل، وليس القصد هنا النظافة فقط بدليل أنه يتيمم عند عجزه عن الماء ومن وجب عليه فرضه كغسلي جنابة وحيض كفاه الغسل لأحدهما، وكذا لو سن في حقه سنتان كغسلي عيد وجمعة، ولا يضر التشريك بخلاف نحو الظهر مع سنته لأن مبنى الطهارات على التداخل كما مر بخلاف الصلاة. (قلت: ولو أحدث ثم أجنب أو عكسه) أي أجنب ثم أحدث أو أجنب وأحدث معا، (كفى الغسل) سواء أنوى الوضوء معه أم لا، غسل أعضاء الوضوء مرتبة أم لا. (على المذهب والله أعلم) لاندراج الوضوء في الغسل لأنه (ص) قال: أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت، رواه ابن ماجة وغيره عن جبير بن مطعم. ولم يفصل (ص) مع أن الغالب أن الجنابة لا تتجرد عن الحدث فتداخلتا كالجنابة والحيض. وقد نبه الرافعي على أن الغسل إنما يقع عن الجنابة، وأن الأصغر يضمحل معه أي لا يبقى له حكم، ولهذا عبر المصنف ب كفى.
والثاني: لا يكفي وإن نوى معه الوضوء، بل لا بد من الوضوء معه. والثالث: إن نوى مع الغسل الوضوء كفى وإلا فلا.
وقيل: إن كان سبب اجتماعهما هو الجماع كفى وإلا فلا. وفي الصورة الثانية طريق قاطع بالاكتفاء لتقدم الأكبر فيها فلا يؤثر بعده الأصغر، فقوله على المذهب إنما يأتي على اصطلاحه في الصورة الثانية فإنها ذات طرق، وأما الأولى ففيها أوجه لا طرق. وأجاب الشارح عن هذا الاعتراض بقوله: فالطريقان في مجموع الصورتين من حيث الثانية لا في كل منهما، أي لا في جميعهما، فيكفي في صدق كونه في المجموع كونه في بعض الافراد بخلاف كونه في الجميع.
تتمة: لو أحدث في أثناء غسله جاز أن يتمه ولا يمنع الحدث صحته، لكن لا يصلي به حتى يتوضأ، كذا في زوائد الروضة. وهو محمول كما قال الأسنوي على ما إذا أحدث بعد فراغ أعضاء الوضوء، أما قبل الفراغ فيأتي ببقية أعضاء الوضوء مرتبة ولا يحتاج إلى استئنافه.
خاتمة: يباح للرجال دخول الحمام ويجب عليهم غض البصر عما لا يحل لهم وصون عورتهم عن الكشف بحضرة من لا يحل له النظر إليها وفي غير وقت الاغتسال كما علم مما مر، ونهيهم الغير عن كشف عورته وإن ظنوا أنه لا ينتهي، وقد روي: أن الرجل إذا دخل الحمام عاريا لعنه ملكاه رواه القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: * (كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) *. وروى النسائي والحاكم عن جابر أن النبي (ص) قال: حرام على الرجال دخول الحمام إلا بمئزر.
وأما النساء فيكره لهن بلا عذر لخبر: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى، رواه الترمذي وحسنه. وروى أبو داود وغيره أنه (ص) قال: ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالإزار وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء. ولان أمرهن مبني على المبالغة في الستر، ولما في خروجهن واجتماعهن من الفتنة والشر. قال شيخنا: والخناثي كالنساء فيما يظهر. ويجب أن لا يزيد في الماء على قدر الحاجة ولا العادة، وآدابه أن يقصد التطهير والتنظيف لا الترفه والتنعيم، وأن يسلم الأجرة قبل دخوله، وأن يسمي للدخول ثم يتعوذ كما في دخول الخلاء، وكذا في تقديم رجله اليسرى دخولا واليمنى خروجا، وأن يتذكر بحرارته حرارة نار جهنم لشبهه بها، وأن لا يدخله إذا رأى فيه عريانا، وأن لا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الأول وأن لا يكثر